قبل ذلك بخمس مئة سنة كان الرب قد أعلن على لسان زكريا النبي قائلا: ”ابتهجي جدا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت اورشليم . هوذا ملككِ يأتي اليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان“ (زكريا ٩ : ٩). فلو تحقق التلاميذ ان المسيح على اهبة ان يحاكم ويموت لما امكنهم ان يتمموا هذه النبوة. GC 446.1
وكذلك تمم ميلر وجماعته النبوة وقدموا الرسالة التي انبأ الوحي بأنها ينبغي ان تقدم الى العالم، ولكنهم ما كانوا ليقدموها لو ادركوا تماما النبوات المشيرة الى خيبتهم والتي تقدم رسالة اخرى ليُبشَر بها كل الامم قبل مجيء الرب. ان رسالة كل من الملاكين الاول والثاني قُدمتا في الوقت المحدَّد وتممتا العمل الذي قصد الله ان يتممه بواسطتهما. GC 446.2
لقد كان العالم يترقب منتظرا انه اذا مر الوقت ولم يظهر المسيح فكل نظام المجيء الثاني سيُهجر ويتخلى الناس عنه . ولكن في حين ان كثيرين تحت ضغط التجارب الشديدة هجروا ايمانهم، بقي آخرون ثابتين . غير ان ثمار حركة المجيء، وروح الوداعة وفحص القلب، وهجر العالم، واصلاح الحياة، وهي أمور تبعت ذلك العمل، شهدت بأنه من الله. فلم يتجرأوا على انكار حقيقة كون قوة الروح القدس شهدت لكرازة المجيء الثاني، ولم يستطيعوا اكتشاف غلطة واحدة في حسابهم للفترات النبوية . ولم ينجح أقوى خصومهم في هدم نظام التفسير النبوي الذي ساروا عليه . وهم لم يرضوا بالتخلي عن المواقف التي وصلوا اليها عن طريق دراسة كلمة الله بروح الغيرة والصلاة بعقولهم المستنيرة بروح الله وقلوبهم الملتهبة بقوته الحية، الا بعد اقناعهم ببراهين من الكتاب، تلك المواقف التي صمدت امام اعظم الانتقادات الفاحصة والمقاومة المرة جدا من معلمي الدين المشهورين وحكماء هذا العالم، والتي ظ لت ثابتة امام قوات العلم والفصاحة متحدة معا، والتعييرات والشتائم من الشرفاء والادنياء على السواء. GC 446.3
نحن لا ننكر انه كانت هنالك خيبة بالنسبة الى تلك الحادثة المنتظرة ، ولكن حتى هذا لم يكن ليزعزع ايمانهم بكلمة الله . عندما نادى يونان في شوارع نينوى قا ئلا انه بعد اربعين يوما تنقلب المدينة قبل الرب تذلل أهل نينوى ومدَّد فرصة امهالهم . ومع ذلك فقد كانت رسالة يونان من قبل الله، وقد امتُحنت نينوى حسب ارادته . واعتقد المجيئيون ان الله قد أرشدهم الى تقديم الانذار بالدينونة بمثل تلك الوسيلة، فاعلنوا قائل ين: ”لقد كانت فاحصة لقلوب كل من سمعوها وايقظت في القلوب محبة لظهور الرب، او تسببت عنها عداوة ظاهرة او مستترة لمجيئه، ولكن الرب عرف ذلك كله . لقد رسمت خط ا... حتى ان الذين سيمتحنون قلوبهم يعرفون الى اي جانب سيقفون لو جاء الرب حينئذ، سواء كانوا سيهتفو ن قائلين: هوذا هذا الهن ا. انتظرناه فخلصنا، او سيصرخون الى الصخور والجبال لتسقط عليهم وتخفيهم عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف . وقد اختبر الله شعبه بهذه الطريقة على ما نعتقد، امتحن ايمانهم ورأى ما اذا كانوا سيتراجعون في ساعة التجربة عن الموقف الذي قد يرى هو أنه يناسبهم، او انهم سيهجرون هذا العالم ويعتمدون على كلمة الله بثقة كاملة“ (٣٤١). GC 447.1
وقد عبر وليم ميلر عن مشاعر الذين ظلوا على ايمانهم بان الله كان مرشدا لهم في اختبارهم الماضي اذ قال: ”لو انني عشت حياتي مرة اخرى بالبرهان نفسه الذ ي كان لي في الماضي، فلكي اكون امينا مع الله والناس لما كان لي ان أعمل غير ما عملت“. ”ارجو ان اكون قد طهرت ثيابي من دماء الناس . اني احس أنني على قدر استطاعتي قد خلصت نفسي من جريمة جلب الدينونة والهلاك عليهم ”. وكتب رجل الله، هذا القول : ”مع أنني قد خُذلت م رتين فلست بعد منكسر الخاطر ولا يائس ا... ان رجائي في مجيء المسيح قوي الآن كما كان في أي وقت مضى . لقد فعلت فقط ما شعرت بأنه واجبي المقدس الذي ينبغي لي أن أفعله، بعد سنين قضيتها في التأملات المقدسة . فان كنت قد اخطأت فمن ناحية احساني ومحبتي لبني جنسي واقتناعي بواجبي نحو الله“. ”اني أعلم شيئا واحدا، وهو أنني لم أكرز الا بما آمنت به، وقد كان الله معي، وتجلت قوته في العمل، فنتج من ذلك خير كثير“. ”وقد أخذ آلاف من الشعب يدرسون كلمة الله مدفوعين بالكرازة في هذا العصر . وبتلك الوسيلة وبواسطة الايمان ورش دم المسيح تصالحوا مع الله“ (٣٤٢). ”لم اسعَ ابدا وراء مديح الناس او استحسانهم ولا جبنت عندما تجهم لي العالم . ولن اشتري رضى الناس الآن، ولن اتجاوز حدود واجبي لأثير عداءهم . ولن أطلب الابقاء على حياتي عن طريقهم، ولن اتراجع، كما ارجو، عن فقد حياتي اذا ارادت عناية الله الصالحة ذلك“ (٣٤٣). GC 447.2
ولم يترك الله شعبه، فلقد مكث روحه مع اولئك الذين لم ينكروا بطيش النور الذي حصلوا عليه ولا شهروا بحركة المجيء . ان في الرسالة الى العبرانيين اقوالاً لتشجيع المجربين والمنتظرين في هذه الازمة ولانذارهم، اذ يقول الرسول: ”فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة . لانكم تحتاجون الى الصبر حتى اذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد. لانه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطئ . أما البار فبالايمان يحيا وان ارتد لا تسر به نفسي . وأما نحن فلسنا من الارتداد للهلاك بل من الايمان لاقتناء النفس“ (عبرانيين ١٠ : ٣٥ — ٣٩). GC 448.1
ويتبرهن لنا من الكلام المشير الى قرب مجيء الرب ان هذا الانذار موجه الى الكنيسة في الايام الاخيرة: ”لأنه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطئ“. وهذا الكلام يدل بكل وضوح انه سيكون هنالك تباطؤ ظاهر، وانه يبدو أن الرب قد تباطأ. وهذا التعليم المقدم هنا ينطبق انطباقا خاصا على اختبار المجيئيين في هذا الوقت . فالناس الموجه اليهم هذا الكلام كانوا في خطر ان يتحطم ايمانهم . لقد عملوا ارادة الله في اتباع ارشاد روحه وكلمته، ومع ذلك فلم يستطيعوا ادراك قصده في اختبارهم الاول، ولا عرفوا الطريق الذي كان عليهم ان يسيروا فيه، وكانوا في خطر الشك في ما اذا كان الله هو مرشدهم او لا . وفي هذه الحالة كان ينطبق عليهم القول : ”اما البار فبالايمان يحيا“. فاذ اشرق على طريقهم نور ”صراخ نصف الليل“، واذ رأوا النبوات وقد فكت ختومها، والعلامات التي كانت تتم بسرعة تنبئ بقرب مجي ء المسيح، كانوا يسلكون بالعيان كما يبدو . أما الآن وقد انحنت نفوسهم بسبب آمالهم التي خابت فقد أمكنهم الثبات فقط بواسطة الايمان بالله وبكلمته . كان العالم الهازئ الساخر يقول: ”لقد انخدعتم، فاهجروا ايمانكم وقولوا أن حركة المجيء انما هي من الشيطان“ .لكنّ كلم ة الله تعلن قائلة: ”ان ارتد لا تسر به نفسي“، فكونهم يهجرون ايمانهم الآن وينكرون قوة الروح القدس التي كانت تصحب الرسالة فمعنى ذلك انهم يرتدون الى الهلاك . ولقد شجعتهم اقوال بولس على الثبات اذ قال: ”فلا تطرحوا ثقتكم“. ”انكم تحتاجون الى الصبر“ .”لانه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطئ“. وقد كان اسلم طريق يسيرون فيه هو ان يحتفظوا بالنور الذي قد حصلوا عليه من الله ويتمسكوا بوعده ويداوموا على تفتيش الكتب، وبكل صبر، ينتظروا ويسهروا للحصول على نور أعظم . GC 448.2