يقابل البروتستانتُ في هذه الايام الكنيسة الكاثوليكية برضى وقبول أعظم مما في السنين الماضية . ففي البلدان ذات الاكثرية البروتستانتية، حيث يلجأ البابويون الى الطرق السلمية والحبية لكي يكون لهم النفوذ، ثمة جانب كب ير من عدم الاكتراث بالنسبة الى العقائد التي تفصل الكنائس المصلحة عن النظم البابوية، ورأي يرسخ في الاذهان وهو اننا لا نختلف عن الفريق الآخر اختلافا حيويا كما كان يظن، وأن قليلا من الاذعان من جانبنا سيجعلنا في حالة تفاهم افضل مع روم ا. جاء على البروتستانت وقت كانوا فيه يقدرون حرية الضمير تقديرا عظيما، تلك الحرية التي قد اشتروها بثمن غال جد ا. لقد علموا اولادهّم ان يمقتوا البابوية، وكانوا يعتقدون ان محاولة الاتفاق مع روما انما هي خيانة لله . ولكن ما أبعد الفرق الآن بين هذا والمشاعر والعواطف التي يعبر عنها! GC 611.1
أما المدافعون عن البابوية فيعلنون أن الكنيسة قد أسيء اليه ا. والمسيحيون في العالم البروتستانتي يميلون الى قبول هذا التصريح . وكثيرون يلحون قائلين انه ليس من الانصاف الحكم على كنيسة اليوم بالرجاسات والسخافات التي اتصف بها حكمها في عصور الجهالة والظلام . وهم يعتذرو ن عن قسوتها الرهيبة كنتيجة وحشية العصور السالفة ويقولون ان تأثير المدنية الحديثة قد غير من أفكارها ومشاعرها. GC 611.2
فهل نسي هؤلاء الناس ادعاء العصمة الذي ظل هذا السلطان المتعجرف يتشدق به لمدى ثماني مئة سنة ؟ وبدلا من التخلي عن هذا الادعاء فقد تثبت في القرن التاسع عشر بتأكيد اعظم مما سبق . وبما ان روما تصرح بأن الكنيسة ”لم تخطئ وانها، بشهادة الكتاب، لن تخطئ ابدا“ (٣٥٨) فكيف يمكنها ان تنبذ المبادئ التي اختطت لها الطريق في العصور السالفة ؟ GC 612.1
لن تتنحى الكنيسة البابوية ابدا عن ادعائها العصمة . وكل ما فعلته باضطهادها الذ ين رفضوا تعاليمها تعتبره عين الصواب . فهل لن تكرر هذه الافعال نفسها لو اتيحت لها الفرصة ؟ فلو أزيلت الروادع التي تفرضها الحكومات الدنيوية وعادت روما الى قوتها وسلطانها السابقين فسرعان ما ينتعش طغيانها وتتكرر اضطهاداتها. GC 612.2
يتحدث كاتب مشهور عن موقف الحكومة البا بوية حيال حرية الضمير والمخاطر التي تتهدد الولايات المتحدة بنوع خاص من نجاح سياستها فيقول: ”كثيرون يميلون الى ان ينسبوا أي خوف من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الى التعصب او الطياشة . مثل هؤلاء لا يرون شيئا في صفات الكاثوليكية واتجاهاتها معاديا لدساتيرنا و تشريعاتنا الحرة، ولا يرون ما ينذر بالشؤم من نموها وتقدمه ا. اذاً فلنقارن اولا بين بعض مبادئ حكومتنا الاساسية ومبادئ الكنيسة الكاثوليكية. GC 612.3
يكفل دستور الولايات المتحدة حرية الضمير، ولا شيء أعز ولا أثبت من ذلك. ويعلق البابا بيوس التاسع في براءته المؤرخة في ١٥ آب (اغسطس) من عام ١٨٥٤ قائلا: ”ان التعاليم السخيفة المخطئة والهذيان الذي به يدافعون عن حرية الضمير إنما هي ضلالة وبيلة وهي ضربة أخطر من كل ما عداها في أية دولة“ . وهذا البابا نفسه في براءته الصادرة في ٨ كانون الاول (ديسمبر) عام ١٨٦٤، لعن ”اولئك الذين يؤكدون حرية الضميرة وحرية العبادة الدينية“ وكذلك ”كل من يصرحون بأن الكنيسة ينبغي الا تلجأ الى القسوة والعنف“. GC 612.4
”لا تدل نغمة روما السلمية في الولايات المتحدة على تغيير القلب . انها تُظهر التسامح في الاماكن التي تكون فيها عاجزة لا حول لها ولا قوة . والاسقف اكونر يقول: ”ان الحرية الدينية تُحتمل فقط الى الوقت الذي فيه يمكن تنفيذ القهر والارغام من دون أن يكون هنالك خطر على العالم الكاثوليكي“... وقال رئيس اساقفة سانت لويس مرة: ”ان الهرطقة وعدم الايمان جريمتان، وفي الممالك المسيحية كما في ايطاليا واسبانيا مث لا حيث الشعب كله كاثوليكي وحيث الدين الكاثوليكي هو جزء جوهري من قانون البلاد تعاقب تانك الجريمتان كغيرهما من الجرائم“. GC 613.1
”وكل كردينال ورئيس اساقفة واسقف في الكنيسة الكاثوليكية يحلف يمين الولاء للبابا، وفي تلك اليمين المقدسة ترد هذه العبارة: ”اني سأضطهد وأقاوم بكل قوتي الهراطقة والمنشقين والعصاة على سيدنا الذي يدعى البابا وخلفائه““ (٣٥٩). GC 613.2
نحن لا ننكر أنه يوجد مسيحيون حقيقيون في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. فان آلافا من الناس في تلك الكنيسة يخدمون الله بحسب افضل نور معطى لهم . غير انه لا يسمح لهم بقراءة كل مة الله ولذلك لا يميزون الحق . وهم لم يروا قط الفرق بين الخدمة القلبية الحية وروتين الممارسات والطقوس . ان الله ينظر الى هذه النفوس باشفاق ورقة عظيمين اذ انها قد نشأت على ايمان لا يشبع النفس بل يغرر بها ويخدعه ا. وهو سيجعل أشعة النور تخترق الظلمات الكثيفة الت ي تكتنفهم . وهو سيعلن لهم الحق كما هو في يسوع، وكثيرون منهم سينضمون الى شعب الله. GC 613.3
لكن الكاثوليكية كنظام ليست متوافقة الآن مع انجيل المسيح كما كان الامر في اي حقبة من تاريخها الماضي . والكنائس البروتستانتية هي في ظلام دامس والا لكانت تميز علامات الأزمنة . والكنيسة الكاثوليكية بعيدة المدى وواسعة الافق في خططها وفي أساليب عمله ا. انها تستخدم كل حيلة في سبيل نشر نفوذها ومضاعفة سلطانها استعدادا لحرب رهيبة في اصرار شديد لاسترداد سيادتها على العالم والعودة الى الاضطهاد وإبطال كل ما قد عملته البروتستانتية وهدمه . والكاثوليكية تستعيد ميادينها واراضيها في كل مكان . انظروا الى تزايد عدد كنائسها وأمكنة اجتماعاتها في الممالك البروتستانتية . انظروا الى شهرة كلياتها ومعاهد لاهوتها في الولايات المتحدة حيث يعضدها البروتستانت على اوسع مدى . ثم انظروا ايضا الى نمو الانظمة الطقسية في انجلترا وكثرة الارتداد الى صفوف الكاثوليك . هذه الامور يجب ان توقظ الجزع والخوف في قلوب كل من يقدرون مبادئ الانجيل النقية. GC 613.4