إن شيوخ اليهود الذين امتدحوا قائد المئة أمام يسوع برهنوا على بعدهم العظيم عن روح الإنجيل. لم يدركوا أن حاجتنا الشديدة هي حجتنا الوحيدة في طلب رحمة الله . فإذ كانوا ملتحفين ببرهم الذاتي امتدحوا قائد المئة على المأثرة التي قد أسداها إلى “أمتنا”. ولكن قائد المئة قال عن نفسه “لست أهلاً” لقد لمست نعمة الله قلبه فرأى عدم أهليته ومع ذلك فلم يخش من أن يطلب العون. إنه لم يستند على صلاح فيه ، ولكن حجته كانت هي حاجته الشديدة . لقد تمسك إيمانه بالمسيح كما هو في صفاته الحقيقية . إنه لم يؤمن به على أنه مجرد صانع معجزات بل على أنه صديق بنى الإنسان ومخلصهم. ML 293.4
بهذه الكيفية يمكن لكل خاطئ أن يأتي إلى المسيح “لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته — خلّصنا” (تيطس 3 : 5). فعندما يأتيك الشيطان قائلا لك إنك خاطئ ولا رجاء لك في الحصول على بركة الله قل له أن المسيح قد أتى إلى العالم ليخلص الخطاة. إننا لا نملك شيئا به يمكننا أن ننال حظوة لدى الله ، ولكن الحجة التي يمكننا أن نقدمها الآن وفي كل وقت هي حالتنا ، حالة العجز التام التي تجعل قوته الفادية أمرا لازما لنا كل اللزوم . فإذ نطرح عنا كل اعتماد على الذات يمكننا أن نشخص إلى صليب جلجثة قائلين: “لا ليس بيدي مال أقدمه ولكني فقط أتعلق بصليبك”. ML 294.1
كان اليهود يتعلمون منذ صباهم عن عمل مسيا ، فأقوال الأباء والأنبياء الموحى بها والتعاليم الرمزية عن الخدمة الكفارية كانت بين أيديهم ولكنهم لم يكترثوا للنور. والآن هم لا يرون في يسوع ما يشتهى . لكن قائد المئة المولود في الوثنية ، والذي قد تربى على وثنية روما الامبراطورية ، وتربى كرجل عسكري ، وكان يبدو كأنه منقطع عن الحياة الروحية بتربيته وبيئته ، وفوق ذلك كان محروما بسبب تعصب اليهود ، وبسبب الاحتقار الذي كان يعامل به مواطنوه شعب إسرائيل- هذا الرجل عرف الرجل الذي قد عمي عنه أولاد إبراهيم . إنه لم ينتظر ليرى ما إذا كان اليهود أنفسهم سيقبلون في ذاك الذي قال عن نفسه أنه مسيحهم أو لا يقبلونه . فإذ أشرق عليه ذلك النور: “الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم” (يوحنا 1 : 9) رأى ، ولو من بعد ، مجد ابن الله. ML 294.2
رأى يسوع في هذا باكورة العمل الذي كان الإنجيل مزمعا أن يعمله بين الأمم. وبفرح عظيم نظر إلى الأمام عندما يجتمع الناس من كل الأمم وينضمون إلى ملكوته . وبحزن عميق صور لليهود نتائج رفضهم لنعمته فقال لهم: “أقول لكم: إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السموات، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان” (متى 8 : 11، 12). واآسفاه! ما أكثر الذين يوشكون على الوقوع في ذلك المصير المخيف وتلك الخيبة المهلكة! ففي حين أن النفوس الجالسة في ظلمة الوثنية تقبل نعمته فما أكثر من يعيشون في البلدان المسيحية ممن إذ يشرق عليهم النور لا يكترثون له ! ML 294.3