هاهو الآن يسند إليهما عملا يعملانه ، وهو أن يذهبا إلى بيت وثني أممي ليخبرا من فيه عن البركة التي نالاها منه. كانا يحسان بصعوبة الانفصال عن المخلص . فلابد من أن تواجههما صعاب عظيمة بسبب معاشرتهما لمواطنيهما الوثنيين . ثم أن اعتزالهما عن الناس أمدا طويلا بدا كأنه يقلل من أهليتهما للعمل الذي أسنده إليهما يسوع . ولكن حالما أرشدهما الرب إلى واجبهما كانا على أتم استعداد لإطاعته . ولم يكتفيا بالتحدث مع عائلتيهما وأقربائهما وجيرانهما عن يسوع ولكنهما جالا في كل المدن العشر يعلنان في كل مكان عن قدرة المسيح على أن يخلص ، ويصفان للناس كيف حررهما من الأرواح الشريرة . وإذ قاما بذلك الحمل حصلا على بركة أعظم مما لو بقيا في حضرة السيد ليحصلا على نفع ومتعة لنفسيهما . إننا إذ نذيع بشرى الخلاص نصير قريبين من قلب المخلص. ML 317.1
إن ذينك المجنونين اللذين شفيا كانا في طليعة الرسل الذين أرسلهم المسيح للكرازة بالإنجيل في ذلك الإقليم الواقع شرقي الأردن. لقد أُعطي لهذين الرجلين امتياز سماع تعاليم المسيح لمدى لحظات قليلة . إنهما لم يسمعا من فمه عظة واحدة ، ولم يكونا يستطيعان أن يعلما الشعب كما كان يستطيع التلاميذ الذين كانوا يلازمونه كل الأيام .ولكنهما كانا يحملان في قلبيهما الدليل على كون يسوع هو مسيا . كانا يستطيعان أن يقولا ما يعرفانه وما قد رأياه وسمعاه وأحسا به من قوة المسيح . وهذا ما يستطيع أن يفعله كل من مست نعمة الله قلبه . وقد كتب يوحنا التلميذ الحبيب يقول: “الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة .. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به” (1 يوحنا 1 : 1 — 3). فكشهود للمسيح علينا أن نشهد بما نعرفه وما قد سمعناه بآذاننا ورأيناه بعيوننا وما أحسسنا به . لو كنا سائرين وراء يسوع خطوة فخطوة فسنقول الصواب عن الطريق التي قادنا فيها . يمكننا أن نقول للناس إننا قد جربنا وعد الله فوجدناه صادقا . ويمكننا أيضا أن نشهد لما قد عرفناه من نعمة المسيح .هذه هي الشهادة التي يدعونا إليها السيد ، والتي لعدم توافرها يهلك العالم. ML 317.2
ومع أن أهل كورة جرجسة لم يقبلوا يسوع فهو لم يتركهم يعمهون في الظلمة التي اختاروها لأنفسهم. فعندما طلبوا منه أن ينصرف عن تخومهم ما عادوا يسمعون كلامه .لقد كانوا يجهلون قيمة من رفضوه ، ولهذا أرسل إليهم النور مرة أخرى بواسطة الرجلين اللذين ما كانوا ليرفضوا سماع كلامهما. ML 318.1
إن الشيطان كان يرمي من وراء إغراق الخنازير إلى إبعاد الناس عن المخلص وإلى منع الكرازة بالإنجيل في ذلك الاقليم. ولكن نفس هذا الحادث أيقظ كل تلك الكورة أكثر مما كان يمكن أن يفعله أي حادث آخر فاتجه انتباه الجميع إلى المسيح . فمع أن المخلص نفسه رحل عنهم فإن ذينك الرجلين اللذين كان قد شفاهما ظلا شاهدين لقدرته . فذانك اللذان كانا آلات في يد رئيس الظلمة صارا قنوات لإيصال النور لمواطنيهما ورسولين لابن الله . لقد اندهش الناس لدى سماعهم تلك الأخبار المدهشة . وانفتح باب لرسالة الإنجيل في كل تلك الكورة . ولما عاد يسوع إلى المدن العشر مرة أخرى تجمهر الناس حوله ، ولمدة ثلاثة أيام لم يسمع رسالة الخلاص سكان مدينة واحدة ، ولكن سمعها آلاف من كل أهل الكورة المجاورة . إنه حتى قوة الشيطان هي تحت سيطرة المخلص ، وعمل الشر يمكن أن يتحول إلى خير. ML 318.2