وإذا بأحد معلمي الشعب يسأله بنغمة شاعت فيها السخرية قائلا: “ أية آية تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ماذا تعمل؟ آباؤنا أكلوا المن في البرية، كما هو مكتوب: أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا” (يوحنا 6 : 30 و 31). ML 359.2
لقد أكرم اليهود موسى على اعتبار أنه هو معطي المن وبذلك نسبوا المجد لإنسان لم يكن غير مجرد آلة ، وغاب عن أنظارهم ذاك الذي قام بالعمل وأتمه. لقد تذمر آباؤهم على موسى وشكوا في كونه مرسلا من قبل الله وتنكروا لرسالته . وبنفس تلك الروح رفض الأبناء ذاك الذي حمل إليهم رسالة الله (يسوع)، “فقال لهم يسوع: “الحق الحق أقول لكم: ليس موسى أعطاكمالخبز من السماء” (يوحنا 6 : 32) إن ذاك الذي كان قد أعطاهم المن كان واقفا حينئذ بينهم ، وهذا هو المسيح بالذات الذي كان قائدا للعبرانيين في البرية وكان يؤَمن لهم يوميا الطعام الذي كان رمزا للخبز السماوي الحقيقي . إن الروح المانح الحياة الذي يفيض من ملء الله غير المحدود هو المن الحقيقي. قال يسوع: “أن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم” (يوحنا 6 : 33). ML 359.3
وإذ كان بعض سامعيه لا يزالون يظنون أن يسوع يشير إلى الخبز المادي صاحوا قائلين: “يا سيد، أعطنا في كل حين هذا الخبز” فقال لهم يسوع بكل وضوح: “أنا هو خبز الحياة” (يوحنا 6 : 34، 35). ML 360.1
كانت الاستعارة التي استعملها المسيح مألوفة لدى اليهود ، فقد قال موسى بوحي من الروح القدس: “ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما يخرج من فم الرب”. وكتب إرميا النبي يقول: “وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي” (تثنية 38 : 3 ؛ إر ميا 15 : 16). كان هنالك مثل يردده معلمو إسرائيل ويقول إن أكل الخبز بالمعنى الروحي هو درس الناموس وممارسة الأعمال الصالحة . وكثيرا ما كان يقال أنه عند مجيء مسيا سيأكل كل إسرائيل ويشبعون . وقد أوضحت تعاليم الأنبياء الدرس الروحي العميق الذي يستقي من معجزة الأرغفة . كان يسوع يحاول أن يوضح هذا الدرس لسامعيه في المجمع . فلو كانوا قد فهموا الكتب لفهموا كلامه عندما قال لهم: “أنا هو خبز الحياة”. إن ذلك الجمع العظيم عندما كانوا معيين ومتعبين في اليوم السابق أكلوا وشبعوا من الخبز الذي قدمه لهم يسوع . وكما قد حصلوا على قوة وانتعاش لأجسادهم إذ أكلوا من الخبز فكذلك يمكنهم أن يحصلوا من المسيح على قوة روحية للحياة الأبدية . فلقد قال: “من يقبل إليّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً” (يوحنا 6 : 35) ولكنه أضاف: “إنكم قد رأيتموني، ولستم تؤمنون” (يوحنا 6 : 36). ML 360.2
لقد رأوا المسيح بشهادة الروح القدس وبإعلان الله لنفوسهم. إن البراهين الحية على قدرته كانت ماثلة أمام عيونهم يوما بعد يوم ، ومع ذلك طلبوا آية أخرى . ولكن لو أنه أراهم آية أخرى لظلوا في عدم إيمانهم كما كانوا . فما داموا لم يقتنعوا بما قد رأوه وسمعوه فلا جدوى من كونه يريهم عجائب أخرى . إن عدم الإيمان يجد دائما أعذارا للشك وينكر أقطع البراهين. ML 360.3