وإذ أبكم التلاميذ من فرط الحزن والذهول ظلوا يصغون إلى كلامه . لقد قبل المسيح اعتراف بطرس بأنه ابن الله ، ولكن حديثه عن آلامه وموته بقي غير مفهوم تماما . ولم يستطع بطرس السكوت فأمسك معلمه وكأنما هو يحاول أن يباعد بينه وبين الموت الذي يتهدده فقال: “حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا!” (متى 16 : 22). ML 394.1
كان بطرس يحب سيده ، ولكن يسوع لم يمتدح تلميذه لإبداء رغبته في أن يحول بينه وبين الألم . إن كلمات بطرس لم تكن تحمل عونا أو عزاء ليسوع في المحنة الهائلة القادمة عليه . ولم تكن تلك الكلمات على وفاق مع مقاصد الله الرحيمة نحو العالم الهالك ،ولا مع درس التضحية الذي أتى يسوع ليعلمه للناس بمثاله . ولكن بطرس لم يكن يريد أن يرى الصليب متداخلا في عمل المسيح ، فكان تأثير كلامه على نقيض ما أراد يسوع أن يحدثه في عقول تابعيه . تأثر المخلص بحيث اضطر لأن ينطق بأقسى انتهار خرج من بين شفتيه إذ قال له: “اذهب عنّي يا شيطان! أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس” (متى 16 : 23). ML 394.2
كان الشيطان يحاول أن يثبط عزم يسوع ويحوله عن مهمته . وكان بطرس في حبه الأعمى يساند التجربة . لقد كان سلطان الشر هو منشئ تلك الفكرة ، وكان تحريضه خلف تلك الاستغاثة المؤثرة . إن المسيح إذ كان في البرية قدم له الشيطان ممالك العالم على شرط أن يتنحى عن طريق الاتضاع والتضحية . والآن هو يقدم نفس التجربة لتلميذ المسيح . كان يحاول أن يثبت نظر بطرس في المجد الأرضي حتى لا يرى الصليب الذي كان يسوع يريد أن يوجه نظره إليه . وعن طريق بطرس كان الشيطان يلح بالتجربة على يسوع . لكن المخلص لم ينظر إلى التجربة بل كان يفكر في تلميذه . لقد أقحم الشيطان نفسه بين بطرس وسيده حتى لا يتأثر قلب ذلك التلميذ من منظر اتضاع المسيح لأجله ولم يكن كلام المسيح موجها إلى بطرس بالذات بل إلى ذاك الذي كان يحاول أن يفصله عن فاديه “اذهب عنّي يا شيطان!” أي لا تتدخل فيما بعد بيننا وبين خادمي المغرور . دعني أقف أمام بطرس وجها لوجه لكي أعلن له سر محبتي. ML 394.3