ثم ظهر سبب آخر للنزاع . ففي الأعياد كانت العادة أن يتولى الخدم غسل أرجل الضيوف . وفي تلك المناسبة أعد كل شيء لهذه الخدمة ، فقد كان هنالك المغسل والطست والمنشفة معدة لخدمة غسل الأرجل ، ولكن لم يكن يوجد خادم ، فكان على التلاميذ أن يقوموا بتلك الخدمة ، ولكن إذ كان كل واحد منهم متأثرا بكبريائه الجريحة ترفع عن القيام بعمل الخادم . وقد أبدوا جميعا عدم اكتراث كأنما هم لا يشعرون بأن لهم عملا ليعملوه . وفي صمتهم رفضوا أن يتواضعوا . ML 613.2
فكيف يأتي المسيح بهذه النفوس المسكينة إلي حالة لا يستطيع الشيطان فيها أن ينتصر عليهم انتصارا حاسما ؟ وكيف يريهم أن مجرد الاعتراف بالتلمذة له لا يجعلهم تلاميذ أو يضمن لهم مكانا في ملكوته ؟ وكيف يبرهن لهم على أن خدمة المحبة والوداعة الحقيقية هما عنصر العظمة الحقة ؟ وكيف يضرم نار المحبة في قلوبهم ويقدرهم على إدراك ما اشتاق إلي أن يقوله لهم ؟ ML 613.3
لم يتحرك التلاميذ لخدمة بعضهم البعض ، وتريث المسيح بعض الوقت ليرى ما هم فاعلون . وإذا به وهو المعلم الإلهي يقوم عن العشاء ، وبعدما يخلع ثيابه الخارجية حتى لا تعيقه عن الحركة يأخذ منشفة ويتزر معها . جعل التلاميذ ينظرون إلي معلمهم بدهشة واهتمام ، ثم انتظروا بسكوت ما سيحدث بعد ذلك . “ثم صب ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها” (يوحنا 13 : 5). هذا الصنيع فتح أعين التلاميذ . وقد امتلأت نفوسهم حزنا وإذلالا مريرين . لقد فهموا التوبيخ الذي لم ينطق به معلمهم ورأوا أنفسهم في نور جديد تماما. ML 613.4
وهكذا عبر المسيح عن حبه لتلاميذه . لقد ملأته أنانيتهم وكبرياؤهم حزنا ، ولكنه لم يشتبك معهم في جدال فيما يختص بمشكلتهم . وبدلا من ذلك قدم لهم مثالا لم ينسوه طيلة حياتهم قط . إن محبته لهم لم تكن لتتأثر أو تنطفئ . لقد عرف أن الآب دفع كل شيء إلي يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي . كان عنده إحساس كامل بألوهيته ، ولكنه خلع عنه تاج الملك وثياب الملك وأخذ صورة عبد . لقد كان بين آخر أعماله التي قام بها على الأرض أنه تمنطق كعبد وقام بعمل العبيد. ML 614.1