ومع ذلك فإن يهوذا لم يكن يعتقد أن المسيح سيسمح للأعداء بالقبض عليه. إنه بتسليمه إياه كان يقصد أن يعلم يسوع درسا . لقد قصد أن يلعب دورا يجعل المخلص حريصا من ذلك الحين على معاملته بالاحترام الذي يستحقه . ولكن يهوذا لم يكن يعلم أنه إنما يسلم المسيح للموت . كم من مرة عندما كان المخلص يعلم بأمثال أذهلت تلك الأمثال الكتبة والفريسيين ! وكم من مرة حكموا هم على أنفسهم ! في أحيان كثرة عندما كانت قلوبهم تقتنع بالحق امتلأوا حنقا ورفعوا حجارة ليرجموه ولكنه مراراً كثيرة كان ينجو بنفسه . ففكر يهوذا قائلا: ما دام يسوع قد نجا من إشراك هذا عددها فهو بالتأكيد لن يسمح لأحد بالقبض عليه. ML 681.2
لذلك عزم يهوذا على إجراء تجربة. قال: إذا كان يسوع هو مسيا حقا فالشعب الذين قد عمل معهم كل هذا سيحتشدون حوله وينادون به ملكا . وهذا سيقنع نهائيا عقولا كثرة كانت تساورها الشكوك ، وسيكون ليهوذا فضل إجلاس الملك على عرش داود ، وهذا الصنيع سيضمن له أسمى مكانة بعد المسيح في الملكوت الجديد. ML 681.3
لقد مثل ذلك التلميذ الخائن دوره بتسليم يسوع ، فعندما قال لقادة الرعاع في البستان: “ الذي أقبله هو هو. أمسكوه” (متى 26 : 48) كان يهوذا يعتقد تماما أن المسيح سينجو من أيديهم . فإذا لاموه حينئذ كان سيجيبهم قائلا: ألم أقل لكم امسكوه بحرص ؟ ML 681.4
رأى يهوذا القابضين على يسوع يعملون بمشورته إذ شدوا وثاقه جيداً. وبكل ذهول رأى يهوذا المخلص يستسلم لهم وهم يمضون به ، فتبعه بجزع من البستان إلى المحاكمة أمام رؤساء اليهود . وفي كل لحظة كان يهوذا ينتظر أن يسوع سيباغت أعداءه إذ يظهر أمامهم كابن الله ويحبط كل مؤامراتهم ويشل قوتهم . ولكن بعدما مرت ساعة وتلتها ساعات ويسوع مستسلم للأعداء محتملا كل إهانة وقعت عليه استولى على ذلك الخائن خوف رهيب لئلا يكون قد باع معلمه للموت. ML 681.5
وإذ أوشكت المحاكمة على الانتهاء لم يستطع يهوذا احتمال تعذيبات ضميره المذنب أكثر من ذلك. وفجأة رن في أرجاء تلك الدار صوت أجش ، فسرت في كل القلوب هزة رعب . وإذا بذلك الصوت يقول: إنه بريء ، فأطلق سراحه يا قيافا. ML 682.1