كانت لدى بيلاطس رغبة في معرفة الحق ومن عقله كان مرتبكا . إنه بكل شوق فهم أقوال المخلص ، واستيقظ في نفسه شوق عظيم لمعرفة ما هو الحق وكيف يمكن الحصول عليه . فسأله قائلا: “ما هو الحق؟” إلا أنه لم ينتظر جوابا . إن الصخب والشغب في الخارج ذكره بمشكلة الساعة ، لأن الكهنة كانوا يلحون في طلب عمل حاسم سريع . فإذ خرج إلى اليهود أعلن قائلا بكل تشديد: “أنا لست أجد فيه علّة واحدة” (يوحنا 18 : 38). ML 688.5
إن هذا الكلام الذي نطق به هذا القاضي الوثني كان تعنيفا قاسيا لغدر رؤساء إسرائيل وكذبهم إذ كانوا يشتكون على المخلص . فإذ سمع الكهنة والشيوخ هذا الكلام من فم بيلاطس أحسوا بخيبة آمالهم وأطلقوا لهياجهم وغضبهم العنان . لقد ظلوا طويلا يتآمرون في انتظار هذه الفرصة . فإذ رأوا أن هناك أملا في إطلاق سراح يسوع بدا وكأنهم يريدون أن يمزقوه إربا . فجعلوا يشهرون ببيلاطس بأصوات عالية ، ويتهددونه بالطعن فيه لدى السلطات الرومانية ، واتهموه بأنه لا يريد أن يقضي بالموت على يسوع الذي كانوا يؤكدون أنه ثائر على القيصر. ML 689.1
كانت تسمع صيحات غاضبة تعلن أن تأثير التمرد الذي ينشره يسوع معروف جيدا في كل مكان في البلاد ، وقال الكهنة: “إنه يهيّج الشعب وهو يعلّم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل إلى هنا” (لوقا 23 : 5) لم يكن بيلاطس يفكر في ذلك الوقت في إدانة المسيح ، حيث علم أن اليهود كانوا يشتكون ضده مدفوعين بدافع الكراهية والتعصب ، وقد عرف واجبه . إن العدل يتطلب إطلاق سراح يسوع في الحال ، ولكن بيلاطس كان يخشى نوايا الشعب الشريرة . فلو رفض تسليم يسوع إلى أيديهم فلا بد من حدوث شغب ، وكان هو يخاف من مواجهة الشعب الغاضب الثائر . فحين علم أن يسوع جليلي عزم على إرساله إلى هيرودس حاكم الجليل الذي كان في أورشليم في تلك الأيام . إذ بهذا الإجراء حاول بيلاطس أن يلقي عن نفسه مسؤولية الحكم على يسوع إلى هيرودس ، كما كان بهذا يحاول أن يقضي على العداوة والخصومة القديمة التي كانت بينه وبين هيرودس . وقد تم له ما أراد فصار ذانك الحاكمان المتخاصمان صديقين بسبب محاكمة المخلص. ML 689.2