كان بين من تبعوا المسيح إلى ساحة الموت القاسي عدد غير قليل من النساء وقد ثبتن أنظارهن في يسوع. وبعض منهن كن قد رأينه قبل ذلك ، بعض منهن كن قد حملن إليه مرضاهن المتألمين ، وبعض منهن كن قد شفين من أمراضهن ، وكانت تتلى على مسامعهن قصة المشاهد التي حدثت. وهن يندهشن من العداوة التي يضمرها أولئك الناس للمسيح مع أن قلوبهن تذوب وتكاد تتمزق حزنا عليه . وبالرغم من تصرف ذلك الجمع الدال على الجنون ، وكلام الغضب الذي ينطق به الكهنة والرؤساء ، فإن هؤلاء النسوة يظهرن عطفهن عليه . وإذ يسقط يسوع مغشيا عليه تحت الصليب ينفجرن نائحات مولولات . ML 704.4
كان هذا هو الشيء الوحيد الذي استرعى انتباه المخلص. فمع إنه كان يقاسي أشد الآلام وهو يحمل خطايا العالم فهو لم يكن عديم الاكتراث لهذا الحزن وهذا العطف من جانب أولئك النساء ، فالتفت إليهن بعطف ورقة . لم يكن مؤمنات به . وكان يعلم أنهن يبكين عليه لا كمن هو مرسل من الله ، بل ثارت في نفوسهن أحاسيس الإشفاق البشري . لم يحتقر هو هذا العطف منهن ، فلقد أثار عطفهن عليه في قلبه عطفا أعمق عليهن ، فقال يخاطبهن: “يا بنات أورشليم، لا تبكين عليّ بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن” (لوقا 23 : 28). لقد حول المسيح نظره عن المشهد الماثل أمامه ونظر إلى الأمام إلى أيام خراب أورشليم . ففي ذلك المشهد المخيف كان كثيرون ممن يبكون عليه الآن سيهلكون هم وأولادهم. ML 705.1
ثم انتقل فكر المسيح من مشهد سقوط أورشليم إلى مشهد دينونة أعم وأوسع. لقد رأى في خراب تلك المدينة العاصية رمزا للهلاك الأخير المزمع أن يأتي على العالم ، فقال: “حينئذ يبتدئون يقولون للجبال: اسقطي علينا! وللآكام: غطّينا! لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس؟” (لوقا 23 : 30 و 31). وقد رمز المسيح بالعود الرطب إلى نفسه كالفادي البار . لقد سمح الله بأن غضبه على الإثم ينصب على ابنه الحبيب ، فكان يسوع مزمعا أن يصلب لأجل خطايا الناس . فأي آلام سيتحملها الخاطئ السادر في خطاياه ؟ ! إن غير التائبين وغير المؤمنين جميعهم سيختبرون حزنا وشقاء لا يمكن وصفهما بالكلام. ML 705.2
وكان بين من ساروا مع المسيح إلى جلجثة كثيرون ممن كانوا منذ أيام قليلة يحفون به وهم يرددون هتافات الفرح والانتصار ويلوحون بسعوف النخل في دخوله منتصرا إلى أورشليم. ولكن عددا غير قليل منهم ممن كانوا يهتفون له ويمجدونه لأن ذلك كان أمرا شائعا بين الجمع ، ضموا أصواتهم إلى من كانوا يصرخون ضده قائلين: “اصلبه! اصلبه! ”. عندما كان المسيح داخلا إلى أورشليم انتعشت آمال التلاميذ وسمت إلى القمة. وكانوا يحفون بمعلمهم وهم يحسون أن انتسابهم إليه شرف ما بعده شرف. أما الآن وهو في حال الذل والهوان فكانوا يتبعونه من بعيد . كانت قلوبهم مفعمة حزنا ونفوسهم منحنية تحت ثقل آمالهم المنهارة . وها قد تحقق كلام يسوع حين قال: “كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب” أني أضرب الراعي فتتبدّد خراف الرعية” (متى 31 : 26). ML 705.3