في البدء أُعلن الله في كل أعمال الخلق. إن المسيح هو الذي نشر السماوات ووضع أساسات الأرض ، وإن يده هي التي علقت العوالم في الفضاء وأبدعت زنابق الحقل ، وهو“اْلمثبِتُ اْلجِبالَ بِقُوته“ ”الَّذي لَه اْلبحر وَهو صنعه (”مزمور ٦٥ : 6 ؛ 95 : 5). هو الذي ملأ الأرض بكل ألوان الجمال ، والهواء بالأغاني والتسابيح . وعلى كل ما في الأرض والهواء والسماء كتب رسالة محبة الآب. ML 18.1
إن الخطية قد أتلفت وشوهت عمل الله الكامل ، ومع هذا فتلك الكتابة لا تزال باقية. وحتى الآن كل الخلائق تعلن وتذيع جلال مجده . لا شيء ، فيما عدا قلب الإنسانالأناني ، يعيش لذاته . فلا طير يحلق في جو السماء ، ولا حيوان يدب على الأرض إلاّ ويخدم كائنا آخر ، ولا ورقة من أوراق أشجار الغابات أو وريقة عشب تطلع من الأرض إلاّ ولها خدمتها التي تؤديها . فكل شجرة كبيرة وصغيرة وكل ورقة تسكب ذلك العنصر من الحياة الذي بدونه لا يمكن أن يعيش إنسان ولا حيوان . والإنسان والحيوان بدورهما يخدمان حياة الأشجار والنباتات . والأزهار يفوح شذا عطرها وتكشف عن جمالها بكونها بركة للعالم . والشمس ترسل نورها لتفرح العوالم كلها . والأوقيانوس العظيم الذي هو نفسه مصدر كل أنهارنا وينابيع المياه يستقبل الجداول من كل البلدان ، ولكنه يأخذ ليعطي .والضباب الصاعد من الأوقيانوس ينزل على الأرض في هيئة أمطار لإروائها حتى تلد وتنبت . ML 18.2
ثم إن ملائكة السماء يجدون لذتهم وسرورهم في العطاء والبذل ، فهم يمنحون محبتهم ، ويسهرون بلا كلال ليحرسوا أرواح الناس الساقطين النجسين. فتلك الخلائق السماوية تحاول أن تخطب ود قلوب الناس ، وهم يأتون إلى هذا العالم المظلم بالنور من مواطن السماء البهية ، وبخدمتهم الرقيقة الصبورة يرفون على قلوب بنى الإنسان ليعيدوا الساقطين إلى الشركة مع المسيح الذي هو أقرب إليهم مما يظنون . ML 18.3
ولكننا إذ نترك هذه الأمثلة الأقل شأنا نرى الله في يسوع. فإذ نشخص إلى الفادي نرى أنه يعكس لنا مجد الله . لقد قال المسيح: “لست أفعل شيئاً من نفسي”. “ كما أرسلني الآب الحي، وأنا حي بالآب” ، “ أنا لست أطلب مجدي” بل مجد الذي أرسلني” (يوحنا 8:4 28: 6: 57 ؛ 8: 50 ؛ 7: 18). في هذه الأقوال يعلن لنا المبدأ العظيم الذي هو ناموس الحياة لكل المسكونة . فالمسيح أخذ كل شيء من الله ، ولكنه أخذ ليعطي . وهكذا في مواطن السماء ، في خدمته لكل الخلائق عن طريق ابنه الحبيب تفيض حياة الآب للجميع ، وعن طريق الابن تعود في شكل تسبيحات وخدمات مفرحة ومحبة غامرة لذاك الذي هو النبع العظيم لكل شيء . وهكذا في المسيح تكتمل دورة الرحمة والإحسان ممثلة صفة المعطي العظيم ، وناموس الحياة. ML 18.4