نظر الملائكة بذهول إلى المحبة غير المحدودة التي أظهرها الفادي الذي إذ كان يقاسي أشد ألوان العذاب في ذهنه وجسده لم يكن يفكر إلا في الآخرين . وقد شجع تلك النفس التائبة على الإيمان . ففي اتضاعه خاطب بنات أورشليم كنبي ، وككاهن وشفيع طلب من الآب أن يغفر لقاتليه ، وكالمخلص المحب غفر لذلك اللص التائب خطاياه. ML 713.1
وإذ كان يسوع يجول ببصره في ذلك الجمع المجتمع حوله استرعى انتباهه أحد الأشخاص . فعند أسفل الصليب كانت مريم أمه مستندة على تلميذه يوحنا . لم تستطع البقاء بعيدا عن ابنها . وإذ كان يوحنا يعلم أن النهاية قريبة أعادها إلى موضع الصلب. وهناك ذكر المسيح أمه في ساعة احتضاره ، فإذ نظر إلى وجهها المضروب بالحزن ونظر إلى يوحنا قال لها: “يا امرأة، هوذا ابنك”، وقال ليوحنا: “هوذا أمك” (يوحنا 19 : 26 و 27). وقد فهم يوحنا كلام المسيح وقبل أن يكون أمينا على تلك الوديعة . ففي الحال أخذ مريم إلى خاصته . وظل من تلك الساعة يرعاها بكل رقة ومحبة . يا له من مخلص محب رحيم ، ففي غمرة آلامه الجسدية وعذاباته الذهنية كان يهتم بأمه ويفكر في راحتها ! ML 713.2
لم يكن لديه مال به يدبر ما يكفل لها الراحة ، ولكن يوحنا كان يحبه أعمق الحب فوكل إليه أمر أمه ليحتفظ بها كإرث ثمين . وهكذا ضمن لها ما كانت في أشد الحاجة إليه — أي العطف الرقيق من شخص يحبها لأنه أحب يسوع . وإذ قبلها كأمانة مقدسة حصل على بركة عظيمة . فلقد كانت مذكرا دائما له بمعلمه الحبيب . ML 713.3
إن المسيح يقدم لنا مثالا كاملا للمحبة البنوية ، وهذا المثال يضيء بلمعان قوي لا تستطيع كلمات الأجيال أن تخفيه . لقد ظل قرابة ثلاثين عاما يضطلع بأعباء البيت. والآن ، حتى وهو في أشد حالات الكرب والنزع الأخير لا ينسى أن يكفل ما فيه راحة أمه الأرملة الحزينة . ونفس هذه الروح لا بد أن ترى في كل تلاميذ الرب . فالذين يتبعون المسيح لا بد من أن يشعروا بأن ديانتهم توجب عليهم إكرام والديهم وإعالتهم . فالقلب الذي تملك عليه محبة المسيح لا يمكن أن يقصر في رعاية الوالدين والعطف والإشفاق عليهم. ML 713.4