و كان بيلاطس مثلهم لا يرغب في بقاء جسد يسوع معلقاً على الصليب . وإذ حصلوا على إذن منه كسروا سيقان اللصين المصلوبين لكي يعجلوا بموتهما . أما يسوع فوجدوا أنه قد مات . إن الجند الأجلاف لانت قلوبهم بسبب ما قد سمعوه ورأوه من يسوع فامتنعوا عن كسر ساقيه . وهكذا في تقديم حمل الله تمت وروعيت شريعة الفصح القائلة: “لا يبقوا منه إلى الصباح ولا يكسروا عظماً منه. حسب كل فرائض الفصح يعملونه” (العدد 9 : 12). ML 730.4
وقد دهش الكهنة والرؤساء حين علموا أن يسوع قد مات . إن المصلوبين كانت تطول مدة عذابهم قبلما يسلمون الروح . وكان من الصعب الحكم في الوقت الذي تنتهي فيه الحياة . لقد كان أمرا لم يسمع به أن يموت إنسان بعد صلبه بست ساعات ، وكان الكهنة يريدون التأكد من موت يسوع . فبناء على اقتراحهم طعن أحد العسكر جنب المخلص بحربته ، فخرج من ذلك الجرح نبعان غزيران منفصلان ، أحدهما من الدم والآخر من الماء . ولاحظ الواقفون كلهم هذا ، كما سجل يوحنا هذا الحادث بكل وضوح قائلا: “لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء. والذي عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم. لأن هذا كان ليتم الكتاب القائل: عظم لا يكسر منه” (يوحنا 19 : 34 — 37). ML 731.1
ولكن بعد قيامة المسيح أعلن الكهنة والرؤساء أن المسيح لم يمت على الصليب وإنما فقط غشي عليه ثم أنعش بعد ذلك وعاش . وأكد آخرون أن الذي دفن في القبر لم يكن جسدا حقيقيا من لحم وعظام بل كان صورة جسد . ولكن ما عمله عساكر الرومان يدحض كل هذه الأكاذيب . إنهم لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات . ولكنهم إرضاء لليهود طعنوا جنبه بحربة . فلو لم يكن قد مات من قبل لكانت هذه الطعنة كفيلة بالقضاء عليه في الحال . ML 731.2
لكن الحقيقة هي أنه لا طعنة الحربة ولا آلام الصلب هي التي تسببت في موته يسوع .إن تلك الصرخة التي صرخها “بصوت عظيم” (متى 27 : 50 ؛ لوقا 23 : 46) في لحظة الموت ، وينبوع الدم والماء الذي سال من جنبه أعلنا أنه مات بقلب كسير . نعم لقد انكسر قلبه من شدة الحزن ، ولقد ذبحته خطية العالم . ML 731.3
وبموت المسيح هلكت وتلاشت كل آمال تلاميذه . لقد نظروا إلى عينيه المغلقتين ورأسه المنكس وشعره المخضب بالدم ويديه ورجليه المثقوبة فكان حزنهم شديدا لا يعبر عنه . وقد ظلوا إلى النهاية متمسكين بأملهم أنه لن يموت وكادوا لا يصدقون بأنه قد مات . ففي غمرة الحزن لم يذكروا كلامه الذي فيه أنبأهم بهذا المشهد الماثل أمامهم . لا شيء مما قاله لهم في الماضي استطاع أن يعزيهم وقتئذ ، فلم يروا غير الصليب والمصلوب الدامي الجسم . بدا المستقبل أمامهم متجهما ومكتنفا باليأس . وقد هلك إيمانهم بيسوع ، ولكنهم لم يسبق لهم أن أحبوه كما أحبوه الآن . ولم يسبق لهم أن عرفوا قيمته وحاجتهم إلى حضوره كما أحسوا الآن. ML 731.4
حتى مع أن السيد كان عديم الحياة فقد كان عزيزا جدا على قلوب التلاميذ . كانوا يتوقون إلى أن يدفنوه بكل إكرام ولكنهم كانوا حائرين في كيف يفعلون ذلك . لقد حكم على يسوع بالموت بناء على تهمة الخيانة للحكم الروماني ، والذين يموتون لأجل هذا الذنب كانوا يدفنون في القبور المخصصة لهكذا مجرمين . ظل يوحنا والنساء القادمات من الجليل بجوار الصليب . إنهم لم يستطيعوا ترك جسد سيدهم ليسلم لأيدي العسكر العديمي الشعور ليدفنوه في قبر حقير . ومع ذلك فلم يكونوا يستطيعون منع ذلك ، ولم يستطيعوا الحصول على منة من السلطات اليهودية ، ولا كان لهم نفوذ لدى بيلاطس. ML 732.1