كان يوحنا المعمدان يكرز الآن ويعمد في بيت عبرة في عبر الأردن ، في موضع لا يبعد كثيرا عن ذلك المكان حيث أوقف الله مياه النهر عن جريانها حتى عبر إسرائيل. وعلى بعد قليل من هذا المكان أسقطت أجناد السماء معاقل أريحا واستحكاماتها ، فعادت ذكريات تلك الحوادث وانتعشت ، وأضفت على رسالة المعمدان أهمية عظيمة . أفلا يمكن أن ذاك الذي قد صنع تلك المعجزات المدهشة في العصور القديمة يعود فيعلن قدرته لخلاص العبرانيين؟ كان هذا هو الفكر الذي أثار قلوب الشعب الذين كانوا يتوافدون على شواطىء الأردن. ML 112.1
كان تأثير كرازة المعمدان في الأمة عميقا وعظيما جدا بحيث استرعى اهتمام السلطات الدينية ، كما أن خطر نشوب ثورة جعل الرومان يشتبهون في كل تجمهر لجموع الشعب ، وكل ما من شأنه أن يساعد على إحداث ثورة يقوم بها الشعب أثار مخاوف رؤساء اليهود. لم يكن يوحنا يقيم وزنا لسلطة رجال السنهدريم ، كلا ، ولا سعى للظفر بمصادقتهم على أعماله . كان قد وبخ رؤساء الشعب ، الفريسيين منهم والصدوقيين . ومع ذلك فقد اتبعه الشعب بكل شوق وتلهف . وبدا أن اهتمامهم بعمله يزداد يوما بعد يوم . ومع أنه لم يذعن لرجال السنهدريم فقد اعتبروا أنه ككارز لعموم الشعب كان تحت سلطانهم. ML 112.2
كان هذا المجمع مكونا من أعضاء مختارين من رجال الكهنوت ومن رؤساء الأمة ومعلميها ، وكان الرئيس في العادة هو رئيس الكهنة ، كما كان رجال المجمع حسب العرف رجالا متقدمين في السن وإن لم يكونوا أشياخا. ووجب أن يكونوا متعلمين ليس فقط ملمين بمبادئ الديانة اليهودية وتاريخ الأمة بل أيضاً بالعلوم العامة . وكان ينبغي أن يكونوا خالين من كل عيب جسماني ومتزوجين وآباء ، إذ كان المفروض فيهم أن يكونوا محبين ومنصفين للناس أكثر من غيرهم . وكان مكان اجتماعهم مقصورة كبيرة ملحقة بالهيكل في أورشليم مخصصة لذلك الغرض. وفي الأيام التي كان اليهود فيها متمتعين بالاستقلال كان مجمع السنهدريم هو المحكمة العليا في الأمة ، وتحت يده سلطات مدنية وإكليريكية . ومع أنهم كانوا آنئذ خاضعين للولاة الرومان فقد كان ذلك المجمع متمتعا بنفوذ كبير في المسائل المدنية والدينية على السواء. ML 112.3