إذا كيف نخلص؟ “كَما رَفَع موسى الْحيةَ في الْبرية”، هكذا قد رفع ابن الإنسان ، وكل من خدعته الحية ولدغته يمكنه أن يلتفت ويحيا. “هوذَا حملُ اللهِ الَّذي يرفَع خَطيةَ الْعالَمِ!” (يوحنا 1 : 29). إن النور الساطع من الصليب يكشف لنا عن محبة الله . ومحبته تجذبنا إلى شخصه . فإذا لم نقاوم هذه القوة الجاذبة فستأتي بنا إلى الصليب بالتوبة عن خطايانا التي قد صلبت المخلص . وحينئذ يخلق روح الله في النفس حياة جديدة بواسطة الإيمان . وهكذا تخضع أفكارنا ورغائبنا لإرادة المسيح ، ويخلق القلب والعقل خليقة جديدة على صورة ذاك الذي يعمل فينا ليخضع لنفسه كل شيء . وحينئذ تكتب شريعة الله في الذهن والقلب ، ويمكننا أن نقول مع المسيح: “أَنْ أَفْعلَ مشيئَتَك يا إِلهِي سرِرْتُ” (مزمور 40 : 8). ML 153.5
في محادثة نيقوديموس مع يسوع كشف له المخلص تدبير الفداء ومهمته في العالم .وفي أحاديثه التي نطق بها بعد ذلك ، لم يوضح السيد بكل إسهاب ، وخطوة بعد خطوة ، العمل الذي يجب أن يتمم في قلوب كل من يريدون أن يرثوا ملكوت السماوات كما أوضحه لنيقوديموس. ففي بدء خدمته أعلن المسيح الحق لواحد من أعضاء السنهدريم ، للعقل الذي كان أكثر استعدادا لقبول الحق ، الذي كان معلما للشعب . ولكن قادة إسرائيل لم يرحبوا بالنور . لقد أخفى نيقوديموس الحق في قلبه ، إذ طوال ثلاث سنين لم تكن هنالك ثمرة ظاهرة. ML 154.1
ولكن يسوع كان خبيرا بالتربة التي قد بذر فيها بذار الكلمة ، فالكلام الذي سمعه شخص واحد في تلك الليلة وفي ذلك الجبل المنعزل لم يذهب ضياعا. لقد ظل نيقوديموس صامتا إلى حين دون أن يعترف بالمسيح ، ولكنه راقب حياته وتأمل في تعاليمه . وفي مجمع السنهدريم أحبط مؤامرات الكهنة التي حاكوها لإهلاك المسيح مرارا . ولما رفع المسيح أخيرا على الصليب ذكر نيقوديموس الدرس الذي كان قد تعلمه من السيد في جبل الزيتون: “كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” . إن النور الذي انبعث من ذلك اللقاء السري أنار الصليب على جلجثة فرأى نيقوديموس في يسوع فادي العالم. ML 154.2
بعدما صعد الرب إلى السماء وعندما تشتت التلاميذ بسبب الاضطهاد تقدم نيقوديموس الصفوف بكل شجاعة ، واستخدم ثروته في إعالة وإسعاف تلك الكنيسة الوليدة التي كان اليهود يتوقعون أنها ستمحى من الوجود عند موت المسيح. فذاك الذي كان شديد الحذر وكثير الشكوك رأيناه في وقت الخطر وإذا هو ثابت كالصخرة يشدد إيمان التلاميذ ويقدم الأموال اللازمة لعمل الإنجيل ، فاحتقره واضطهده أولئك الذين كانوا قبلا يكرمونه ويوقرونه . لقد صار فقيرا في المال ، ولكن إيمانه الذي قد وُلِد في قلبه منذ أن ذهب إلى يسوع في تلك الليلة لم يتزعزع. ML 154.3
لقد أخبر نيقوديموس يوحنا بقصة ذلك اللقاء ، فسجل ذلك الحديث قلم يوحنا لكى يكون تعليما خالدا ينتفع به ملايين الناس. والتعاليم المذكورة فيه هامة وجوهرية اليوم كما كانت في تلك الليلة على الجبال الظليلة عندما أتى ذلك الرئيس اليهودي ليتعلم طريق الحياة من ذلك المعلم الجليلي الوضيع. ML 155.1