أتى تلاميذ يوحنا إليه بظلامتهم قائلين: “يا معلّم، هوذا الذي كان معك عبر الأردن، الذي أنت قد شهدت له، هو يعمّد، والجميع يأتون إليه” (يوحنا 3 : 26) لقد جرب الشيطان يوحنا بهذا الكلام ، فمع أن خدمة يوحنا كانت على وشك الانتهاء فقد كان من الممكن له أن يعطل عمل المسيح. ولو أشفق على نفسه وعبر عن حزنه أو خيبة آماله لأن شخصا آخر سيخلفه ، لكان قد بذر بذور الخصومة ، وكان بذلك يشجع الغيرة والحسد ، ويعيق تقدم الإنجيل بدرجة خطيرة. ML 156.3
لقد كانت في يوحنا بالطبيعة الأخطاء والضعفات التي يشترك فيها جميع بني الإنسان ، إلاّ أن لمسة المحبة الإلهية قد غيرته. وكان يعيش في جو غير ملوث بالأثرة والطموح ، وكان أرفع من أن يتلوث بعفونة الحسد ، فلم يبد أية موافقة على تبرم تلاميذه وسخطهم ، بل برهن على إدراكه التام لصلته بمسيا ، كما أبدى فرحه العظيم بالترحيب بذاك الذي قد أعد له الطريق. ML 157.1
فقال: “لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أعطي من السماء. أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت: لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه. من له العروس فهو العريس، وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل ثوت العريس” (يوحنا 3 : 27 — 29). ML 157.2
لقد شبه يوحنا نفسه بصديق العريس الذي يمثل دور الرسول بين الخطيبين ويمهد الطريق للزفاف. فعندما يأخذ العريس عروسه تنتهي مهمة الصديق . لقد فرح بسعادة ذينك اللذين أعان هو على اتحادهما بالزواج . هكذا كان يوحنا قد دعي ليرشد الشعب إلى يسوع . فكان فرحه منحصرا في مشاهدة نجاح عمل المخلص . وقد قال: “إذا فرحي هذا قد كمل. ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص” (يوحنا 3 : 29، 30). ML 157.3
إن يوحنا إذ نظر بإيمان إلى الفادي سما إلى درجة إنكار الذات. فلم يحاول اجتذاب الناس إلى شخصه ، بل سما بأفكارهم إلى ما هو أرفع وأرفع إلى أن استقرت على حمل الله . أما عن نفسه فلم يكن أكثر من صوت صارخ في البرية . والآن هو يقبل بفرح أن يكون صامتا مغمورا حتى تتجه كل الأنظار إلى نور الحياة. ML 157.4