عرف يسوع أنهم لن يدخروا وسعا في إحداث ثغرة وانشقاق بين تلاميذه وتلاميذ يوحنا ، كما علم أن هنالك عاصفة عنيفة تتجمع وهي مزمعة أن تكتسح في طريقها نبيا من أعظم الأنبياء الذين عاشوا في العالم. فإذ كان يرغب في تجنب كل ما يدعو إلى سوء التفاهم أو الشقاق ترك العمل هناك وانسحب بكل هدوء إلى الجليل . كذلك نحن طالما بقينا على ولائنا للحق لا بد أن نبذل كل الجهد في تجنب كل ما يؤدي إلى النزاع أو سوء التفاهم . لأنه حيثما ينشأ النزاع والمخاصمات ينتج عن ذلك هلاك النفوس . وكلما طرأ ظرف يهدد بحدوث انقسام علينا أن نتمثل بيسوع ويوحنا المعمدان. ML 159.2
لقد دعي يوحنا ليكون مصلحا ، ولهذا كان تلاميذه في خطر أن يثبتوا أنظارهم فيه إذ شعروا بأن نجاح العمل كان موقوفا على جهوده ، وقد غابت عن أنظارهم حقيقة كون يوحنا آلة استخدمها الله في عمله. إلاّ أن عمل يوحنا لم يكن كافيا لوضع أساس الكنيسة المسيحية . فبعد انتهائه من عمله كان لابد من البدء بعمل آخر لم تكن شهادة يوحنا كفيلة بإنجازه . ولم يكن تلاميذه يفهمون ذلك . فإذ رأوا يسوع يتقدم ليقوم بالعمل امتلأت قلوبهم غيرة وسخطا. ولا تزال نفس تلك المخاطر باقية. فالله يدعو إنسانا للقيام بعمل ما ، وعندما يبدأ في إنجازه بقدر ما هو مؤهل لعمله يأتي الله بقوم آخرين ليتقدموا به أكثر . ولكن كثيرين كتلاميذ يوحنا ، يحسون أن نجاح العمل وتقدمه موقوف على العامل الأول . فتتجه الأنظار إلى الإنسان لا إلى الله ، وإذ تتدخل الغيرة والحسد يفسد العمل ، فيجرب الإنسان الذي يكرم إكراما أكثر من اللائق لأن يثق بنفسه ويفخر بمواهبه . إنه لا يتحقق من اعتماده على الله . والشعب يتعلمون الاعتماد على إرشاد الناس فيسقطون في الخطإ ويضلون عن الله . إن عمل الله ينبغي ألاّ يحمل طابع الإنسان وصورته ، فالله بين حين وآخر يأتي بعمال مختلفين بواسطتهم يتمم عمله بأحسن كيفية . وطوبى لمن يرضون بالاتضاع قائلين مع المعمدان: “ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص”. ML 159.3