إذا أقبلنا إلى المسيح ببساطة طفل آت إلى والديه الأرضيين, وطلبنا إليه أن يعطينا الأمور التي وعد بها, مؤمنين أننا ننالها فستكون لنا حتما. لو أننا جميعنا مارسنا ما ينبغي لنا أن نمارسه من الإيمان لحصلنا على مقدار من بركة روح الله في اجتماعاتنا أكثر جدا مما قد حصلنا عليه حتى الآن. يسرني أنه لا يزال أمامنا بضعة أيام من فترة الإجتماعات, فالسؤال الآن هو : هل سنأتي إلى النبع لنشرب ؟ هل سيترك معلمو الحق المثال المطلوب ؟ إن الله سيصنع لنا عظائم إذا نحن بالإيمان وثقنا بكلمته. آه , لو أننا نشهد تواضعنا عاما في القلب أمام الله ! منذ أن بدأت هذه الإجتماعات شعرت بدافع يدفعني إلى زيادة الإهتمام بموضوعي المحبة والإيمان, ذلك لأنكم تحتاجون هذه الشهادة. إن بعض الذين دخلوا حقول العمل هذه قالوا لي : ” أنت لا تفهمين الشعب الفرنسي, ولا تفهمين الألمان, إذ يجب أن يعاملوا بطريقة خاصة “ CCA 117.1
ولكني أتساءل : ألا يفهمهم الله ؟ أليس هو الذي يعطي خدامه رسالة لشعبه ؟ إنه يعرف حاجاتهم تماما, فإذا جاءت الرسالة منه مباشرة إلى شعبه, بواسطة خدامه أتمت العمل الذي من أجله أرسلت, جاعلة الجميع واحدا في المسيح. ورغم أن البعض فرنسيون حقا, وآخرين ألمان قطعا, وآخرين أمريكيون فعلا, فكذلك سيكونون مسيحيين بكل معنى الكلمة. CCA 117.2
كان هيكل اليهود مبنيا من حجارة منحوته مقتلعة من الجبال, وكان كل حجر من حجارته مناسبا لموضعه في الهيكل, منحوتا ومصقولا وممتحنا قبل جلبه إلى أورشليم. وعندما حملت جميع الحجارة إلى أرض الهيكل بدأ عمل البناء دون أن يسمع صوت معول أو منحت. هذا البناء يمثل هيكل الله الروحي الذي يتألف من مواد مجموعة من كل أمة ولسان وشعب من جميع الطبقات, العالية منها والوضيعة, الغنية والفقيرة, المتعلمة وغير المتعلمة. هذه المواد ليست ميته فتسوى بالمطرقة والأزميل, بل هي حجارة حية, مقتلعة من العالم بواسطة الحق والبناء الأعظم رب الهيكل يقوم الأن بنحتها وصقلها وتهيئتها للأمكنة المعينة لها في الهيكل الروحي, ومتى أتم هذا الهيكل, فسيكون كاملا بجميع اجزائه, وموضوع إعجاب الملائكة والناس, لأن صانعة وبارئه الله. لا يظننن أحد أنه لا يحتاج أن تطرق عليه طرقه. CCA 118.1
لا شخص كامل, ولا أمة كاملة في كل عادة وفكر, بل لا بد لكل من أن يتعلم من غيره, ولذا يريد الله أن تندمج الأمم المختلفة بعذها ببعذ ليكونوا واحدا في الرأي والقصد, وعندئذ يقام الدليل على الإتحاد الذي في المسيح. CCA 118.2
لقد كدت أخشى من المجيء إلى هذه البلاد, لأنني سمعت الكثيرين يقولون أن لكل من الجنسيات المختلفة في أوربا طابعها الخاص, ويجب الإتصال بها بطريقة خاصة. غير أن حكمة الله قد وعد بها للذين يشعرون بحاجاتهم ويطلبونها. والله قادر أن يقود الشعب إلى حيث يقبلون الحق. اسمحوا للرب أن يمتلك عقولكم ويكيفها كما يكيف الخزف بين يدي الفخاري, فلا يبقى لهذه الإختلافات أثر. انظروا أيها الإخوة إلى يسوع واقتبسوا عاداته وروحه, وعندئذ لا تجدون أية صعوبة في الوصول إلى هذه الفئات المختلفة. CCA 118.3
ليس لنا خمسة أو ستة مثل لنتبعها, بل مثال واحد هو المسيح يسوع, فإذا سعى الإخوة افيطاليون والفرنسيون والألمان ليكونوا مثله فسيثبتون أقدامهم على أساس الحق الواحد. والروح نفسها التي تسكن في فئة منهم ستسكن في الفئة الأخرى أيضا — المسيح فيهم رجاء المجد. أحذركم أيها الإخوة والأخوات من أن تقيموا جائط سياج بين مختلف الأمم, بل , بعكس ذلك, اسعوا إلى هدم هذا الحائط حيثما وجد. ينبغي لنا أن نسعى لجمع الكل في الوفاق الذي في المسيح, عاملين لغرض واحد, وهو خلاص اخوتنا البشر. CCA 119.1
فهلا تمسكتم أيها الإخوة الخدام بمواعيد الله الثمينة ؟ هلا احتجيتم أنتم ليظهر يسوع ؟ لا بد من أن تموت الذات قبل أن يتمكن الله من أن يعمل فيكم. كلما رأيت الأنانية تظهر في شخص هنا وآخر هنالك داخلني شعور بالخطر, فأقول لكم بإسم يسوع الناصري ان ارادتكم يجب أن تموت وأن تصير مثل إرادة الله. إنه يريد أن يصهركم ليطهركم من كل دنس. إن عملا عظيما يجب أن يتم فيكم قبل أن تتمكنوا من الإمتلاء بقوة الله. أطلب إليكم أن تقتربوا منه, لتدركوا بركاته الثمينة قبل أن ينتهي هذا الإجتماع. CCA 119.2
لم يعترف يسوع بأي تمييز بين الجنسيات أو الطبقات أو المذاهب. أراد الكتبة والفريسيون أن يجعلوا من جميع بركات السماء منفعة محلية وقومية, يحرمون منها من تبقى من أسرة الله في المسكونة. أما المسيح فقد جاء ليهدم كل حائط سياج, ويظهر أن عطية رحمته ومحبته مطلقة كالهواء والنور وزخات المطر التي تنعش الأرض. CCA 120.1
لقد أسست حياة المسيح ديانة لا تمييز سلالي فيها, ديانة يرتبط فيها اليهودي والأممي والعبد والحر برباط الإخوة المشتركة, متساوين أمام الله. ولم تتأثر سيرته بأحوال السياسة, ولم يفرق بين قريب وغريب أو بين صديق وعدو, بل أن النفس العطشى إلى مياه الحياة هي التي اجتذبت قلبه. CCA 120.2
لم يمر بأي إنسان معتبرا أن لا قيمة له, بل سعى ليمنح الدواء الشافي لكل نفس. وحيثما وجد بين فريق من الناس قدم درسا مناسبا للزمان والظروف. وكل إهمال أو إهانة صدر من الناس تجاه إخوتهم البشر لك يكن يزيده إلا شعورا بحاجاتهم إلى عطفه الإلهي — البشري. لقد سعى لبعث الرجاء في أقل الناس دماثة وأبعدهم عن الأمل في الإصلاح , مؤكدا لهم إمكانية صيرورتهم بلا عيب ومسالمين وذوي صفات تجعلهم أولاد الله. CCA 120.3
بما أن أولاد الله واحد في المسيح, كيف يعتبر يسوع التمييز السلالي التفرقة الإجتماعية وانفصال الإنسان عن أخيه الإنسان بسبب اللون والعنصر المركز والغني والمولد والتحصيل ؟ إن سر الإتحاد يكمن في المساواة بين المؤمنين بالمسيح. CCA 120.4
منذ سنين, حين كانت جماعة المؤمنين بقرب مجيء المسيح صغيرة جدا كان السبتيون في مدينة توبشام, مين, يجتمعون للعبادة في مطبخ كبير في منزل الأخ ستو كبريدج هولاند. في صباح يوم سبت تغيب الأخ هولاند, فعجبنا من ذلك لأنه كان مواظبا بتدقيق على حضور الإجتماعات في الوقت أمين. ولكن سرعان ما دخل, ووجهه مشرق بنور مجد الله, وقال : ” لقد وجدتها أيها الإخوة, لقد وجدت أننا نستطيع اتباع طريقة معينة تضمن لنا تحقيق كلمة الله القائلة : ‘ لن تزلوا أبدا, وها أنا محدثكم عن ذلك “ CCA 121.1
ثم أخبرنا أنه لاحظ أخا صيادا فقيرا كان يشعر بأنه لا يعامل بما يليق به من الإحترام, وبأن الأخ هولاند وآخرين اعتبروا أنفسهم أعلى منه مقاما. لم يكن هذا صحيحا, وإنما ظهر له كذلك, فامتنع عن حضور الإجتماعات لمدة بضعة أسابيع. CCA 121.2
ذهب الأخ هولاند إلى بيت ذلك الأخ, وجثا أمامه قائلا : ” سامحني يا أخي. ماذا تراني فعلت ؟ “ فأمسكه الرجل بذراعه وحاول أن يوقفه. أما الأخ هولاند فقال : ” كلا, ما هي شكاتك مني ؟ “ CCA 121.3
- ” لا شيء لدي ضدك “ CCA 121.4
- ” بل لا بد أن لديك شيئا ضدي , لأننا كنا سابقا نتحدث أحدنا إلى الآخر, أما الآن فأنت لا تكلمني البتة, وأنا أريد أن أعرف السبب “ CCA 121.5
- ” قم التصب يا أخ هولاند “ CCA 122.1
- ” كلا لن أفعل “ CCA 122.2
- ” إذا يجب أن أجثوا أنا أيضا “ ثم جثا على ركبتيه وأعترف بأنه تصرف تصرفا صبيانيا للغاية, وأنه عزز في نفسه ظنون السوء, ثم قال : ” والآن سأطرحها جميعها جانبا “ CCA 122.3
بينما كان الأخ هولاند يخبرنا بهذه القصة كان وجهه يشع بمجد الرب. وما أن انتهى من حديثه حتى دخل الصياد مع عائلته, وكان لنا اجتماع ممتاز. CCA 122.4
لنفترض أن بعضنا سيتبعون الطريق الذي اتبعها الأخ هولاند, ولو أننا نذهب إلى اخوتنا حين يظنون السوء ونقول لكل منهم ” سامحني إن كنت قد سألت إليك بأي شيء ” لأمكننا بذلك أن نحطم فتنة الشيطان ونحرر إخوتنا من تجاربهم. لا تسمحوا لأي شيء أن يدخل بينكم وبين اخوتكم, فإذا كان بإستطاعتكم أن تقوموا بأية تضحية لإزالة ركام الشك فافعلوا ذلك, لأن الله يريدنا أن نحب بعضنا كإخوة, ويريدنا أن نكون شفوقين ولطفاء. يريدنا أن ندرب أنفسنا على الإيمان بأن غخوتنا يحبوننا, وأن المسيح يحبنا أيضا. فالمحبة تلد المحبة. CCA 122.5
هل نحن نتوقع لقاء اخوتنا في السماء ؟ إذا كان في استطاعتنا أن نعيش معهم بسلام ووئام هنا, نستطيع أن نعيش معهم هناك أيضا. ولكن كيف يمكننا أن نعيش معهم في السماء إذا كنا لا نستطيع أن نعيش معهم هنا دون خصام ونزاع مستمرين ؟ إن الذين يسلكون مسلكا من شأنه أن يفصلهم عن اخوتهم ويسبب انقساما وخلافا هم بحاجة إلى تجديد كلي شامل. يجب أن تذيب محبة المسيح قلوبنا وتخضعها. كما يجب أن نعزز المحبة التي أظهرها الرب بموته لأجلنا على صليب جلجثة. نحتاج أن نقترب إلى المخلص أكثر فأكثر, ونقضي وقتا طويلا في الصلاة, ونتعلم أن نستعمل الإيمان. يجب أن نكون أكثر حنانا ورحمة ولطفا. لسنا نمر في هذا العالم سوى مرة واحدة, أفلا نسعى لنترك في نفوس الذين نعاشرهم طابع صفات المسيح ؟ CCA 122.6
تحتاج قلوبنا القاسية أن تحطم. نحتاج أن نجتمع معا في اتحاد كامل, وأن ندرك أننا قد اشترينا بدم يسوع المسيح الناصري. ليقل كل واحد : ” لقد بذل حياته لأجلي وهو يريدني إذ أمر في هذا العالم, إن أظهر المحبة التي أظهرها هو ببذل نفسه لأجلي “. لقد حمل يسوع خطايانا على الصليب بجسده, ليكون الله بارا ويبرر, مع ذلك, الذين يؤمنون به. إن جميع الذين يسلمون أنفسهم للمسح لهم حياة, حياة أبدية. CCA 123.1
اسعوا للوحدة بحرارة. صلوا من أجلها وأعملوا في سبيلها, فستكسبهم صحة الروح وسمو الأفكار ونبل الصفات والتفكير بما هو سماوي, ممكنة إياكم من التغلب على الأنانية وظن السوء, فيعظم انتصاركم بالذي أحبكم وبذل نفسه لأجلكم. اصلبوا الذات, حاسبين بعضكم بعضا أفضل من أنفسكم. وبذلك تصبحون واحدا مع المسيح. فتشهدون أمام السماء وأمام الكنيسة والعالم شهادة تقيم دليلا لا يخطيء معرفته أحد, على إنكم أبناء وبنات الله, فيتمجد الله بما تتركون من مثال. CCA 123.2
يحتاج العالم أن تجرى أمام ناظريه معجزة توحيد قلوب شعب الله برباط المحبة المسيحية. يحتاج أن يرى شعب الله جالسين معه في السماويات في المسيح. فهلا أعطيكم في حياتكم دليلا على ما يستطيع حق الله أن يفعله من أجل الذين يحبونه ويخدمونه ؟ يعرف الله إمكانياتكم, ويعرف ما تستطيع النعمة الإلهية أن تفعله من أجلكم إذا صرتم شركاء الطبيعة الإلهية. CCA 124.1
” أطلب إليكم أيها الإخوة بإسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولا واحدا ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد “ ( 1 كورنيثوس 1 : 10 ). CCA 124.2
في الإتحاد قوة, وفي الإنقسام ضعف. عندما يتحد الذين يؤمنون بالحق الخاص بالزمن الحاضر سيكون لهم تأثير فعال. وذلك معروف جيدا لدى الشيطان الذي لم يكن في أي وقت مضى أشد تصميما منه الآن على أبطال تأثير حق الله, بأحداثه مرارة ونزاعا بين شعب الله. CCA 124.3