ان كل من يقدمون في هذا العالم خدمة أمينة لله او للانسان يتلقون تدريبا أعداديا في مدرسة الحزن والالم . و کلما کانت الامانة اخطر والخدمة اسمی کلما کان الاختیار اشد ایلاما و قسوة Tr 177.1
ادرسوا اختبارات یوسف وموسی ودانیال وداود . و قارنوا بین تاریخ داود فی عهد الصبا و تاریخ سلیمان و فكروا فی النتائج Tr 177.2
أن داود في شبابه عاش في ألفة ومحبة مع شاول .وان بقاءه في البلاط واحتكاكه بعائلة الملك أعطياه بصيرة يخفيها بريق الملك وأبهته . وقد رأى تفاهة المجد الانساني وعجزه عن جلب السلام للنفس . و کم کان ارتیاحه وسروره عظیمین حین عاد من قصر الملك الى حظائره و قطعانه Tr 177.3
وعندما صار طريدا في البرية بسبب حسد شاول , فان داود هذا الذي حرم من كل عون واعالة بشرية استند بالتمام على الله . وان حياة عدم الاستقرار وعدم الراحة في البرية بمخاطرها التي لا تنتهي والحاجة الى الفرار مرارا عديدة ، وصفات الناس الذين اجتمعوا اليه هناك «كل رجل متضایق و کل من کان علیه دین و کل رجل مر النفس» ( ۱ صموئیل ۲۲ : ۲ ) - کل هذا جعل تدریب النفس امرا لازما وجوهريا . فهذه الاختبارات أيقظت وأنمت القوة على التعامل مع الناس والعطف على المظلومين وكراهة الظلم . وقد تعلم داود مدى سني الانتظار والخطر أن يجد في الله عزاءه وسنده وحياته . وقد تعلم ايضا أنه عن طريق الله وحده يمكنه ان يتبوأ عرش الملك ، وبواسطة حكمته تعالی وحدها یمكنه أن یحكم بحكمة . فعن طریق التدرب في مدرسة الشدة والحزن أستطاع داود أن يظفر بهذه الشهادة ـ وأن يكن قد شوهها بعد ذلك بخطيته العظيمة ، انه كان «يجري قضاء وعدلا لكل شعبيه» ( ۲ صموئیل ۸ : 15) Tr 177.4
وأن التدريب الذي تلقاه داود واختباره الذي حصل علیه فی شبابه کان ینقص حیاة سلیمان . کان یبدو أن سلیمان کان محظوظا اکثر من الجمیع في ظروفه واخلاقه وحیاته . فاذ کان سلیمان نبیلا فی شبابه ونبیلا فی رجولته ومحبوبا من الهه فقد دخل الی ملك کان یبشر بنجاح وكرامة عظیمین . وقد ذهلت الامم من المعرفة والفراسة اللتين تجلتا في حياة الرجل الذي قد منحه الله الحكمة . ولكن کبریاء النجاح جعلت فاصلا بینه وبین الله . فمن فرح الشرکة مع الله ارتد سلیمان لیجد كفایته فی المسرات الحسية . وقد كتب عن هذا الاختبار يقول : Tr 178.1
«فعظمت عملی . بنیت لنفسی بیوتا غرست لنفسی کروما . عملت لنفسي جنات وفراديسی . . .قنيت عبيدا وجواري . . . جمعت لنفسي أيضا فضة وذهبا وخصوصيات الملوك والبلدان . اتخذت لنفسي مغنين ومفنیات وتنعمات بنی البشر سیدة وسیدات . فعظمت و ازددت اکثر من جمیع الذین کانوا قبلی فی اورشلیم . . . ومهما اشتهته عیناي لم امسكه عنهما . لم امنع قلبی من کل فرح . لان قلبی فرح بكل تعبی . . . ثم التفت انا الى كل أعمالي التي عملتها يداي والى التعب الذي تعبته في عمله فاذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس . ثم التفت لانظر الحكمة والحماقة والجهل . فما الانسان الذي يأتي وراء الملك الذي قد نصبوه منذ زمان ” Tr 178.2
«فكرهت الحیاة . . . فكرهت کل تعبی الذی تعبت فیه تحت الشمس» ( جامعه ۲ : 4 - ۱۲ و ۱۷ و ۱۸ ) ان سليمان قد تعلم بواسطة اختباره المرير بطل الحياة التي تطلب أسمى خير لها في الامور الارضية . فاقام مذابح للآلهة الوثنية ، ليعلم فقط انها باطلا تعده براحة نفسه Tr 179.1
وفي أواخر سني حياته اذ تحول سليمان وهو متعب وظامئ بعيدا عن آبار الارض المشققة عاد لیشرب من نبع الحياة .أن تاريخ سني حياته التي ضاعت هباء بما فيها من عبر وانذارات سجلها بوحي روح الالهام لاجل الاجيال التي تعاقبت من بعده . وهكذا فمع ان البذار الذي قد زرعه حصده شعبه فى محاصيل الشر فان عمل حیاة سلیمان لم یضع کله . اخیرا امكن التدریب الالم ان يتمم عمله Tr 179.2
ولكن مع انبثاق نور ذلك الفجر كم كان يمكن أن يكون عمل حیاته مجیدا لو أن سلیمان تعلم فی شبابه الدرس الذي قد علمته الآلام الأناس آخرين في حياتهم ! Tr 180.1