Go to full page →

الفصل الرابع والعشرون—الفصح AA 236

-----------------

عندما طلب من ملك مصر أن يطلق بني إسرائيل أول مرة قدم له إنذار بحلول أرهب ضربة ، فقد أمر الرب موسى أن يقول لفرعون : ( هكذ يقول الرب : إسرائيل ابني البكر . فقلت لك : أطلق ابني ليعبدني ، فأبيت أن تطلقه . ها أنا أقتل ابنك البكر ) (خروج 4 : 22 ، 23) . ومع أن الاسرائيليين كانوا محتقرين في عيون المصريين فقد أكرمهم الله إذ أفرزهم واستأمنهم على شريعته . وبالنظر إلى البركات والامتيازات الخاصة التي منحت لهم كانت لهم الأفضلية على كل الأمم ، شأنهم في ذلك شأن الابن البكر بين إخوته . AA 236.1

إن تلك الضربة التي أنذر المصريون بها أول ما أنذروا كانت آخر الضربات . إن الله طويل الروح وكثير الرحمة ، ويهتم ويرأف بالخلائق التي جبلها على صورته . فلو أن خسارة المحاصيل والغنم والبقر ساقت شعب مصر إلى التوبة لما قتل أبكارهم ، ولكن لأن تلك الأمة رفضت إطاعة أمر الرب ، في إصرار ، فقد حان وقت وقوع الضربة الأخيرة . AA 236.2

كان فرعون قد نهى موسى عن المثول أمامه وإلا فسيكون جزاؤه الموت ، ولكن كان لا بد من تبليغ آخر رسالة من الله لذلك الملك المتمرد ، فوقف موسى أمامه ونطق في سمعه لذلك الإعلان الرهب قائلا : ( هكذا يقول الرب : إني نحو نصف الليل أخرج في وسط مصر ، فيموت كل بكر في أرض مصر ، من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى ، وكل بكر بهيمة . ويكون صراخ عظيم في كل أرض مصر لم يكن مثله ولا يكون مثله أيضا . ولكن جميع بني إسرائيل لا يسنن كلب لسانه إليهم ، لا إلى الناس ولا إلى البهائم . لكي تعلموا أن الرب يميز بين المصريين وإسرائيل . فينزل إلى جميع عبيدك هؤلاء ، ويسجدون لي قائلين : اخرج أنت وجيمع الشعب الذين في أثرك . وبعد ذلك أخرج ) (خروج 11 : 4 - 8) . قبل تنفيذ هذا الحكم أبلغ الرب تعليماته لبني إسرائيل بواسطة موسى بشأن رحيلهم عن مصر ، وعلى الخصوص لحفظهم من الدينونة القادمة . كان على كل عائلة وحدها أو بالاشتراك مع غيرها أن تأخذ شاة ( صحيحة ) من الخرفان أو المواعز . وبعدما يذبحونه يأخذون باقة زوفا ويغمسونها في الدم الذي في الطست ويرشون الدم ( على القائمتين والعتبة العليا ) في بيوتهم حتى لا يدخلها الملاك المهلك الذي سيأتي في منتصف الليل . وكان عليهم أن يأكلوا اللحم مشويا مع فطير على أعشاب مرة في الليل ، كما قال موسى : ( وهكذا تأكلونه . أحقاؤكم مشدودة ، وأحذيتكم في أرجلكم ، وعصيكم في أيديكم . وتأكلونه بعجلة . هو فصح للرب ) (خروج 12 : 1 - 28) . AA 236.3

وقد أعلن الرب قائلا : ( إني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة ، وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم ... ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها ، فأرى الدم وأعبر عنكم ، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر ) وكتذكار لهذا الخلاص العظيم كان لا بد للشعب من أن يعيدوا عيدا سنويا في كل الأجيال اللاحقة ، ( ويكون لكم هذا اليوم تذكارا فتعيّدونه عيدا للرب . في أجيالكم تعيّدونه فريضة أبدية ) وإذ يحفظون العيد في السنين التالية كان عليهم أن يخبروا أولادهم بقصة هذا الخلاص العظيم كما أمرهم موسى قائلا: ( تقولون : هي ذبيحة فصح للرب الذي عبر عن بيوت بني إسرائيل في مصر لما ضرب المصريين وخلص بيوتنا ) . AA 237.1

وفوق هذا فإن جميع الأبكار من الناس والبهائم كان يجب أن يكونوا للرب ، ومن أراد استرداد بكره فليدفع عنه فدية ، لكي يكون ذلك اعترافا منهم بأنه حين هلك أبكار المصريين فإن أبكار إسرائيل مع كون الرب قد حفظهم برحمته فقد كانوا معرضين لنفس المصير لولا الذبيحة الكفارية . يقول الله : ( لأن لي كل بكر . يوم ضربت كل بكر في أرض مصر قدمت لي كل بكر في إسرائيل من الناس والبهائم . لي يكونون ) (عدد 3 : 13) . وبعدما ترتبت الخدمة في خيمة الاجتماع اختار الرب بنفسه سبط لاوي لأجل عمل المقدس بدلا من أبكار الشعب . فلقد قال الله : ( لأنهم موهوبون لي هبة من بين بني إسرائيل . بذل كل فاتح رحم ، بكر كل من بني إسرائيل قد اتخذتهم لي ) (عدد 8 : 16) . ومع ذلك فقد كان على كل الشعب ، اعترافا منهم برحمة الله ، أن يدفعوا فدية عن أبكارهم (عدد 18 : 15 ، 16) . ولقد قصد بالفصح أن يكون تذكارا ورمزا ليس فقط بالنظر إلى الماضي كذكرى لنجاتهم من مصر ، بل أيضا بالنظر إلى المستقبل كرمز للخلاص الأعظم الذي سيتممه المسيح بتحرير شعبه من عبودية الخطية . إن خروف الفصح يرمز إلى ( حمل الله ) الذي فيه وحده لنا رجاء الخلاص . يقول الرسول : ( لأن فصحنا أيضا المسيح قذ ذبح لأجلنا ) (1 كورنثوس 5 : 7) . ولم يكن ذبح خروف الفصح وحده كافيا بل كان ينبغي أن يرش دمه على العتبة العليا والقائمتين ، وكذلك لا بد للنفس أن تقبل وتأخذ استحاقاقات دم المسيح . ينبغي لنا أن نؤمن ليس فقط بأنه مات لأجل العالم ، بل أنه مات لأجلنا فرديا . علينا أن نخصص لأنفسنا فاعلية الذبيحة الكفارية واستحقاقها . AA 237.2

أما الزوفا المستعملة في رش الدم فهي رمز للتطهير ، إذ كانت تستعمل في تطهر الأبرص وكل من قد تنجسوا بلمسهم لميت . ويمكننا أن نفهم معناها أيضا من الصلاة التي قدمها داود حين قال : ( طهرني بالزوفا فأطهر . اغسلني فأبيض أكثر من الثلج ) (مزمور 51 : 7) . AA 238.1

ووجب أن يهيأ الخروف صحيحا فلا يكسر عظم منه ، وكذلك حمل الله الذي كان سيموت لأجلنا ما كان ليكسر عظم منه (خروج 12 : 46 ، يوحنا 19 : 36) ، وهكذا أيضا تمثل كمال ذبيحة المسيح . AA 238.2

وكان يجب أن يؤكل اللحم . ولا يكفي بالنسبة إلينا أن نؤمن بالمسيح لغفران الخطية ، بل علينا ، بالإيمان ، أن نستعد ، ونـأخذ باستمرار ، قوة روحية وغذاء منه بواسطة كلمته . قال المسيح : ( إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم . من يأكل جسدي دمي فله حياة أبدية ) (يوحنا 6 : 53 ، 54 ، 63) وإيضاحا لمعنى هذا الكلام قال : ( الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ) (يوحنا 6 : 63) لقد قبل يسوع شريعة أبيه ، وتمم مبادئها في حياته ، وأعلن روحها وأبان قوتها الخيرة في القلب . يقول يوحنا : ( والكلمة صار جسدا وحل بيننا ، ورأينا مجده ، مجدا كما لوحيد من الآب ، مملوءا نعمة وحقا ) (يوحنا 1 : 14) على أتباع المسيح أن يشاركوه في اختباره . عليهم أن يقبلوا كلمة الله ويغتذوا بها حتى تصير هي القوة الدافعة لهم في الحياة وفي العمل . وبقوة المسيح عليهم أن يتغيروا إلى شبهه ، ويعكسوا الصفات الإلهية . عليهم أن يأكلوا جسد ابن الله ويشربوا دمه وإلا فلن تكون فيهم حياة ، فينبغي أن يكون روح المسيح وعمله هما روح تلاميذه وعملهم . AA 238.3

وكان يجب أن يؤكل الحمل على أعشاب مرة ، وكان هذا إشارة إلى مرارة العبودية في مصر . كذلك نحن حين نأكل جسد المسيح ينبغي أن يكون ذلك بانسحاق القلب على خطايانا . وكان استعمال خبز الفطير ذا مغزى ، وكان ذلك مفروضا فرضا صريحا في شريعة الفصح ، وكان اليهود يحفظونه حفظا تاما بحيث لا يوجد في بيوتهم أي أثر للخمر في العيد . كذلك ينبغي لكل من يرغبون في الحصول على الحياة والغذاء من المسيح أن يطرحوا بعيدا عنهم خميرة الخطية . والرسول بولس يكتب إلى كنيسة كورنثوس قائلا : ( إذا نقوا منكم الخميرة العتيقة ، لكي تكونوا عجينا جديدا .. لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا . إذا لنعيّد ، ليس بخميرة عتيقة ، ولا بخميرة الشر والخبث ، بل بفطير الإخلاص والحق ) (1 كورنثوس 5 : 7 ، 8) . AA 239.1

وقبل الحصول على الحرية كان على أولئك العبيد أن يظهروا إيمانهم بالخلاص العظيم الذي يوشك الرب أن يصنعه ، فكان ينبغي لهم أن يضعوا علامة الدم على بيوتهم ، كما كان عليهم أن نيفصلوا هم وعائلاتهم عن المصريين ويجتمعوا داخل مساكنهم . فلو أن أولئك الإسرائيليين استخفوا بحفظ شيء ولو صغير من التعليمات المعطاة لهم ، أو أهملوا في فصل أولادهم من بين المصريين ، أو لو أنهم بعد ما ذبحوا الخروف أهملوا في رش الدم على العتبة العليا والقائمتين في بيوتهم ، أو لو خرجوا من بيوتهم لما كانوا في أمان . كان يمكنهم أن يؤمنوا ، مخلصين ، بأنهم قد عملوا كل ما هو ضروري ، ولكن إخلاصهم ما كان يمكن أن يخلصهم . فكل من أهملوا اتباع تعليمات الرب كلها كان لا بد من أن يموت بكرهم بيد المهلك . AA 239.2

إن الشعب بطاعتهم برهنوا على إيمانهم ، وهكذا كل من يؤملون في الخلاص باستحقاقات دم المسيح ينبغي لهم أن يدركوا أنهم هم أنفسهم عليهم شيء يعملونه ليتم خلاصهم ، فمع أن المسيح هو وحده الذي يستطيع أن يفتدينا من قصاص تعدياتنا فعلينا نحن أن نترك خطايانا ونطيعه . إن الإنسان يخلص بالايمان لا بالأعمال ، ولكن لا بد أن يبرهن على إيمانه بأعماله . لقد بذل الله ابنه ليموت كفارة عن الخطية ، ولقد أعلن نور الحق وطريق الحياة ، وأعطى تسهيلات وفرائض وامتيازات . فعلى الإنسان الآن أن يتعاون مع عوامل الخلاص هذه ، وعليه أن يدقر ويستعمل المساعدات التي قد أعدها الله ، وهي أن يؤمن ويطيع كل مطاليب الله . AA 239.3

وعندما تلا موسى على مسامع إسرائيل ما قد أعده الله لنجاتهم ( خر الشعب وسجدوا ) (خروج 12 : 27) إن رجائهم المفرح في الحرية ومعرفتهم للدينونة المخيفة التي تهدد مستعبديهم ، وكل المشقات والهموم التي سبقت رحيلهم السريع — كل هذه ابتلعت في شكرهم لمحررهم الرحيم . فهؤلاء الناس جعلوا يتوسلون إليهم الآن أن يسمحوا لهم بالاحتماء داخل بيوت إسرائيل حين يعبر الملاك المهلك في البلاد . فبكل سرور رحبوا بهم . وقد تعهدوا من ذلك الحين أن يخدموا إله يعقوب ، وأن يخرجوا من مصر مع شعبه . AA 240.1

أطاع الإسرائيليون التعليمات المعطاة لهم من الله . وبكل سرعة وتكتم شديد أعدوا كل شيء للرحيل . فاجتمعت عائلاتهم وذبحوا الفصح وشوي اللحكم بالنار وأعد خبز الفطير والأعشاب المرة . وقد رش رب كل عائلة وكاهنها الدم على قائمتي الباب ثم دخل ليجتمع مع عائلته في داخل المنزل . ثم أكلوا الفصح بعجلة وسكون . وقد كان الشعب يصلون بتهيب ووقار وهم منتظرون . وكان كل الأبكار الكبار منهم والصغار مرتجفي القلوب وخائفين خوفا لا يمكن التعبير عنه . وكان الآباء والأمهات يمسكون بأبكارهم المحبوبين بين أذرعهم وهم يفكرون في الضربة المخيفة التي ستحل بمصر في تلك الليلة ، ولكن الملاك المهلك لم يدخل بيتا واحدا من بيوت الإسرائليين . إن علامة الدم : علامة حماية المخلص ، كانت على أبوابهم فلم يدخلها المهلك . AA 240.2

ففي نصف الليل ( كل صراخ عظيم في مصر ، لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت ) فقد ضرب الملاك المهلك كل أبكار المصريين ( من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى ، وكل بكر بهيمة ) (خروج 12 : 29 — 33) ففي كل بلاد مصر الواسعة سقط فخر كل بيت من المصريين ، وقد علت في جو السماء صرخات النائحين وولولتهم . ووقف الملك وندماؤه بوجوههم الشاحبة وأعضائهم المرتجفة وقد اعتراهم الذهول وسيطر عليهم الرعب . وذكر فرعون كيف صاح مرة قائلا : ( من هو الرب حتى اسمع لقوله فأطلق ‘سرائيل ؟ لا أعرف الرب ، وإسرائيل لا أطلقه ) (خروج 5 : 2) أما الآن فإن كبريائه التي بها تحدى السماء قد أذلت في الرماد ( فدعا موسى وهارون ليلا وقال : قوموا اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنوا إسرائيل جميعا ، واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم . خذوا غنمكم أيضا وبقركم كما تكلمتم واذهبوا . وباركوني ايضا ) ، كما أن مشيري الملك والشعب توسلوا إلى الإسرائليين أن يرحلوا عن الأرض بعجلة ( لأنهم قالوا : جميعنا أموات ) . AA 240.3

* * * * *