إنّ يسوع لا يقدّم لتابعيه الرجاء في الحصول على مجد الأرض وغناها، وخلو الحياة من التجارب. بل يقدّم لهم امتياز السير مع سيدهم في مسالك إنكار الذات واحتمال العار لأن العالم لا يعرفهم. ArMB 15.4
إنّ من قد جاء ليفتدي العالم الضال قاومته القوات المتضافرة من خصوم الله والإنسان. ففي تحالف لا يشفق ولا يرحم اصطفّ الناس والملائكة الأشرار ضدّ رئيس السلام. فمع أنّ كل أقواله وأفعاله نطقت بالرحمة الإلهية فإن عدم مشاكلته للعالم أثارت ضده أقسى عداوة. فلكونه لم يقرّ ممارسة شهوات طبيعتنا الشريرة أثار أعنف مقاومة وأشدّ عداء. وكذلك الحال مع كل من يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع. فبين البرّ والخطية وبين المحبّة والعداوة وبين الحق والضلال تثور حرب لا يخمد أوارها. عندما يقدّم الإنسان محبة المسيح وجمال القداسة فهو يجتذب رعايا الشيطان بعيدا عن مملكته فيثور سلطان الظلمة لمقاومة ذلك. فالاضطهاد والتعيير ينتظران كل من يسكن فيهم روح المسيح. وصفة الاضطهاد تتغير بتعاقب العصور ولكن المبدأ — أي الروح الذي يكمن تحته هو بذاته الذي قتل مختاري الرب منذ أيام هَابِيل. ArMB 15.5
إنّ الناس إذ يحاولون أن يكونوا على وفاق مع الله سيجدون أنّ عثرة الصليب لم تبطل. فالرياسات والسلاطين وأجناد الشرّ في السماويات تصطف ضد كل من يقدمون الطاعة لشريعة السماء. ولذلك بدلا من أن يجلب الاضطهاد حزنا لتلاميذ المسيح يجب أن يأتيهم بالفرح لأنّه البرهان على كونهم يسيرون في أثر خطوات سيدهم. ArMB 15.6
وفي حين أنّ الرب لم يعِدْ شعبه بإعفائهم من التجارب فقد وعدهم بما هو أفضل جداً. قال: « كَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ » (قوتك) - (تثنية 25:33) « تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ » (2كورنثوس 12: 9). فإذ دعيت لأن تجوز في أتون النار لأجل يسوع فهو سيكون إلى جوارك كما كان مع الفتية الثلاثة الأمناء في بابل. إنّ الذين يحبون فاديهم سيفرحون كلما قدمت لهم فرصة لمشاركته في الاتضاع وحمل العار. والمحبة التي يكنّونها لسيدهم تجعل الآلام التي يقاسونها لأجل اسمه عذبة وجميلة. ArMB 15.7
لقد اضطهد الشيطان شعب الله في كل العصور. فلقد عذبهم وقتلهم، إلاّ أنّهم انتصروا في موتهم. فلقد أعلنوا بإيمانهم الثابت عن وجود من هو أقوى من الشيطان. لقد استطاع الشيطان أن يعذّب الجسد ويقتله، ولكنّه لم يستطع أن يمسّ الحياة المستترة مع المسيح في الله. أمكنه أن يحبس ضمن أسوار السجن ولكنّه لم يستطع أن يقيّد الروح. فلقد أمكنهم أن ينظروا عبر الظلام إلى المجد قائلين: « فإني أحسب أنّ آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا » (رومية 8: 18). « خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا » (2كورنثوس 4: 17). ArMB 16.1
وعن طريق التجارب والاضطهاد يعلن مجد الله — صفته — في مختاريه. إنّ أعضاء كنيسة الله الذين يبغضهم العالم ويضطهدهم يتهذّبون ويتدربون في مدرسة المسيح. إنّهم يسيرون في مسالك الأرض الضيقة، ويتطهرون في أتون الألم وكور المشقّة. إنّهم يتبعون المسيح مجتازين في محاربات مؤلمة، ويتحمّلون إنكار الذات ويختبرون المفشلات المريرة، لكن اختبارهم المؤلم يعلّمهم جرم الخطية وشقاءها فينظرون إليها باشمئزاز. ولكنهم شركاء آلام المسيح فقد قضى أنّهم يكونون شركاءه في مجده. لقد رأي النبي في رؤيا مقدسة نصرة شعب الله. فيقول: « وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ … وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ، وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَق هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ » (رؤيا 15: 2، 3) « هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ 15 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ » (رؤيا 7: 14، 15). ArMB 16.2