الفصل الثاني عشر — الاصلاح الفرنسي

تلت الاحتجاجَ الذي قدم في سبايرز والاقرارَ الذي تُلي في أوجسبرج، اللذين سجلا نصرة الاصلاح في المانيا، سنو صراع وظلام؛ فالبروتستانتية إذ أضعفتها الانقسامات التي وقعت بين معاضديها وهاجمها أعداؤها الاشداء بدت كأنها مقضي عليها بالهلاك . لقد ختم آلاف من الامناء شهادتهم بدمائهم، ثم اشتعلت نار حرب أهلية، واعلنت خيانة أحد معاضدي القضية البروتستانتية المشهورين، كما سقط أشرف الامراء المصلحين بين يدي الامبراطور وكانوا يُسحبون كالاسرى من مدينة الى اخرى . لكنّ الامبراطور في لحظة انت صاره الظاهري أصابته الهزيمة .لقد رأى الفريسة تغتصب من قبضته وأجبر أخيرا على التسامح مع التعاليم التي كان طيلة حياته يطمع في ملاشاته ا. لقد جازف بمملكته وأمواله وحياته نفسها لكي يسحق الهرطقة، أما الآن فها هو يرى جيوشه تُباد في المعارك وأمواله تتبدد وتذهب ضي اعا، وممالكه الكثيرة تنذر بالثورة، بينما الايمان الذي حاول عبثا أن يكبته ويخمده ينتشر في كل مكان . كان شارل الخامس يحارب ضد قوة الله القاهرة . لقد قال الله: ”ليكن نور“، لكنّ الامبراطور كان يحاول أن يبقي الظلمة جاثمة في الصدور والاذهان، وقد اخفقت كل مقاصده . وعندما بلغ سن الشيخوخة قبل الاوان إذ كان مضني القلب والجسم من هول المعارك الطويلة تنازل عن العرش ودفن نفسه في دير حيث قضى باقي أيام حياته التعسة.GC 235.1

وكما كانت الحال في المانيا كذلك مرّتْ على الاصلاح في سويسرا ليال سود، ففي حين ان مقاطعات كثيرة قبلت الا يمان المصلح فقد ظلت المقاطعات الاخرى متمسكة بعقيدة روما في اصرار اعمى . فكان من نتائج اضطهادهم مَن رغبوا في قبول الحق أن قامت حرب أهلية، وسقط زوينجلي وكثيرون ممن اتحدوا معه صرعى في ساحة القتال بمدينة كابل . واذ انسحقت روح ايكولامباديوس بسبب هذه الكوارث مات بعد ذلك بقليل . وانتصرت روم ا ،وفي أماكن كثيرة بدت كأنها ستسترجع كل ما قد خسرته . لكنّ ذاك الذي مشوراته منذ الازل لم يترك عمله ولا شعبه . فان يده تأتيهم بالخلاص وقد اقام في بلدان اخرى فعلة وعمالا يضطلعون بالاصلاح ويسيرون به قُدما.GC 236.1

ففي فرنسا كان نور النهار قد ا نبثق قبلما اشتهر لوثر كمصلح. وكان أول من أشرق عليهم النور رجلاً شيخاً يدعى ليففر، وكان رجلاً متبحرا في العلم وأستاذاً في جامعة باريس، وكان أحد البابويين الغيورين المخلصين . ففيما كان ينقب في كتب الادب القديم استرعى الكتاب المقدس انتباهه، فقدمه الى تلاميذه ليدرسوه.GC 236.2

وكان ليففر من مكرِّمي القديسين المتحمسين، فبدأ بإعداد تاريخ للقديسين والشهداء كما هو مدون في أساطير الكنيسة، وكان هذا العمل يتطلب تعبا عظيما وجهدا كبير ا. واذ كان قد قطع فيه شوطا بعيدا اذا به يفكر في الاستعانة بالكتاب المقدس، فبدأ بدرسه و نصب عينيه هذا الغرض، فرأى القديسين في الكتاب في صورة أخرى غير ما صوَّره التقويم الكاثوليكي . وحينئذ أشرق على ذهنه فيض من النور الالهي . ففي ذهول واشمئزاز كف عن ذلك العمل الذي كان قد عينه لنفسه، وكرس ذاته ووقته لكلمة الله . وقد بدأ يعلم بتلك الحقائق الغالية الثمينة التي اكتشفها.GC 236.3