Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الاباء والانبياء - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First

    الفصل السابع والعشرون—إعطاء الشريعة

    بعد حلول الشعب في سيناء حالا دعي موسى لمقابلة الله في الجبل ، فجعل يتسلق وحده ذلك الطريق الصاعد الوعر ، واقترب من السحابة التي دلت على مكان حضور الرب ( يهوه (. كان بنو أسرائيل مزمعين أن يدخلوا في علاقة خاصة قريبة بالله العلي ، وأن يتحدوا مع ككنيسة وأمة تحت حكم الله . وهذه الرسالة التي أمر الرب موسى أن يبلغها الشعب :AA 261.1

    ( أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين . وآنا حملتكم على آجنحة النسور وجئت بكم إليّ فالآن إن سمعتم لصوتي ، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب . فإن لي كل الأرض . وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة ) (انظر خروج 19) .AA 261.2

    عاد موسى إلى المحلة وإذ استدعى شيوخ إسرائيل ردد على مسامعهم رسالة الله فكان جوابهم ( كل ما تكلم به الرب نفعل ) وهكذا دخلوا في عهد مقدس مع الله وقطعوا على أنفسهم عهدا أن يقبلوه سيدا عليهم ، وبموجب هذا العهد صاروا ، بمعنى خاص ، رعايا تحت سلطانه .AA 261.3

    بعد ذلك صعد قائدهم إلى الجبل مرة أخرى ، فقال له الرب : ( ها أنا آت إليك في ظلام السحاب لكي يسمع الشعب حينما أتكلم معك ، فيؤمنوا بك أيضا إلى الأبد ) حين كانت تصادفهم في الطريق صعوبات كانوا يعمدون إلى التذمر على موسى وهارون وكانوا يتهمونهما بأنهما يقودان جماهيير إسرائيل إلى الهلاك . لذلك أراد الرب أن يكرم موسى أمامهم لكي يقودهم ذلك إلى الثقة بإرشاداته .AA 261.4

    ولقد أراد الرب أن يجعل فرصة النطق بالشريعة منظر جلال رهيب ليكون ذلك متمشيا مع صفة الشريعة السامية ، وكان لا بد للشعب من أن يقتنع أن كل ما يتعلق بعبادة الله وخدمته ينبغي أن ينظر إليه بكل وقار واحترام . وقد قال الرب لموسى ( اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغدا ، وليغسلوا ثيابهم ، ويكونوا مستعدين لليوم الثالث . لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء ) ففي أثناء هذه الأيام كان ينبغي للجميع أن يشغلوا وقتهم في الاستعداد المقدس للظهور أمام الله ، وأن تكون أشخاصهم وثيابهم مطهرة من كل نجاسة . وإذ يشير موسى إلى خطاياهم كان لا بد لهم من تكريس نفوسهم للتذلل والصوم والصلاة ، لكي تتطهر قلوبهم عن الإثم . AA 261.5

    تمت كل الاستعدادات طبقا للأوامر ، وإطاعة لأمر آخر أشار موسى عليهم بإقامة حدود حول الجبل حتى لا يتعدى إنسان أو بهيمة ذلك النطاق المقدس ، فالذي يتطاول ويمس الجبل فجزاؤه الموت في الحال .AA 262.1

    وفي صبيحة اليوم الثالث إذ اتجهت أنظار الشعب نحو الجبل رأوا قمته مغطاة بسحابة ثقيلة زادت سوادا وكثافة وانحدرت إلى أسفل حتى لفت الجبل كله بظلمة وغموض رهيب ، وحينئذ سمع صوت كصوت بوق يدعو الشعب لملاقاة الله ، ثم قادهم موسى إلى أسفل الجبل ، ومن الظلمة الداجية لمعت البروق بينما سمع صوت هزيم الرعود التي رددت صداها البجال المجاورة . ( وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار ، وصعد دخانه كدخان الأتون ، وارتجف كل الجبل جدا ) وكان ( مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل ) أمام عيون ذلك الجمهور المجتمع ( فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا ) وكانت علائم حضور الرب مرعبة جدا بحيث ارتجفت خوفا كل جماعة إسرائيل وسقطوا على وجوههم أمام الرب ، بل حتى موسى نفسه صرخ قائلا : ( أنا مرتعب ومرتعد ) (عبرانيين 12 : 21) .AA 262.2

    أما الآن فانقطعت الرعود ، ولم يعد صوت البوق يسمع وسكتت الأرض ، فكانت هنالك فترة صمت رهيب ، وحيئنذ سمع صوت الرب ، وإذ تكلم الرب من وسط الضباب المحيط به حين وقف على الجبل محاطا بحاشية من الملائكة أعلن شريعته . وإن موسى حين وصف ذلك المنظر قال : ( جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم . فأحب الشعب . جميع قديسيه في يدك ، وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك ) (تثنية 33 : 2 ، 3) .AA 262.3

    إن الرب قد أعلن نقسه ليس فقط في ذلك الجلال الرهيب ، جلال القاضي والمشترع ، بل كالحارس الرحيم لشعبه ، فقال : ( أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية ) (خروج 20 : 2) . فذاك الذين قد عرفوه كمرشدهم ومنقذهم ، والذي قد أخرجهم من مصر فاتحا لهم طريقا في وسط البحر والذي أغرق فرعون بجيوشه ، والذي أعلن نفسه ، مبرهنا على أنه أعظم من كل آلهة مصر — هو الذي يكلمهم الآن معلنا شريعته .AA 262.4

    إن الشريعة لم تعلن في هذا الوقت لأجل فائدة العبرانيين دون سواهم ، لقد أكرمهم الله بأن جعلهم حراسا وحفاظا على شريعته ، ولكن كان ينبغي أن تعتبر كأمانة مقدمة عندهم لأجل كل العالم . إن الوصايا العشر تلائم كل بني الإنسان ، وقد أعطيت لأجل تعليم الجميع وحكم الجميع . إن الوصايا العشر التي هي مختصرة وشاملة وذات سلطان تشمل واجبات الإنسان نحو الله ونحو إخوته بني الإنسان ، وهي كلها مبنية على مبدأ المحبة كأساس ( تحب الرب إلهك من كل قلبك ، ومن كل نفسك ، ومن كل قدرتك ، و من كل فكرك ، وقريبك مثل نفسك ) (لوقا 10 : 27 ، تثنية 6 : 4 ، 5 لاوين 19 : 18) في الوصايا العشر نجد هذه المبادئ مذكورة بأسباب ومنطبقة على أحوال الإنسان وظروفه .AA 263.1

    ( لا يكن له آلهة أخرى أمامي ) (خروج 20 : 3 — 17) .AA 263.2

    إن الرب السرمدي الذاتي الوجود غير المخلوق ، الذي هو نفسه أصل الكل وعلة وجود الكل وعائل الكل ، وهو وحده الذي يحق أن يقدم له أعظم إكرام وعبادة . والإنسان منهي عن أن يعطي لأي شخص أو أي شيء آخر المكان الأول من محبته أو عواطفه أو خدمته . فكل ما نحبه مما يجعلنا نقلل من محبتنا لله أو يعطل خدمتنا التي يجب أن نقدمها له نجعله بذلك إلها لنا .AA 263.3

    ( لا تصنع لك تمثالا منحوتا ، ولا صورة ما مما في السماء من فوق ، وما في الأرض من تحت ، وما في الماء من تحت الأرض . تسجد لهن ولا تعبدهن ) .AA 263.4

    إن الوصية الثانية تنهانا عن عبادة الإله الحقيقي بواسطة التماثيل أو الصور ، إن أمما وثنية كثيرة ادعت أن تماثيلها كانت مجرد رموز أو صورا يعبد بها الله ، ولكنه تعالى أعلن أن مثل هذه العبادة خطية . إن محاولة تشبيه الإله السرمدي بأشياء مادية يحط من تفكير الإنسان عن الله . والعقل إذ ينحرف عن كمال الرب غير المحدود لا بد من أن ينجذب إلى المخلوق دون الخالق . وحيث قد انحطت أفكاره عن الله فلا بد أن ينحط هو نفسه .AA 263.5

    ( أنا الرب إلهك إله غيور ) إن العلاقة الوثيقة المقدسة بين الله وشعبه ممثلة في صورة زواج . فلكون عبادة الأوثان هي زنى روحي فإن غضب الرب عليها يليق بأن يدعى غيرة .AA 264.1

    ( أفتقد ذنوب الأباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ ) . لا مفر للأبناء من أن يقاسوا من جراء نتائج أخطاء آبائهم ، ولكنهم لا يعاقبون على جرائم آبائهم إلا إذا شاركوهم في خطاياهم ، ومع ذلك فمن المألوف أن الأولاد يسيرون في أثر خطوات آبائهم . فالأبناء يشاركون آباءهم في خطيتهم بالوراثة والقدوة . إن الأميال الخاطئة والشاهية المفسدة والأخلاق المنحلة ، وكذلك الأمراض الجسدية والانحطاط - كل هذه تنتقل كمثيرات من الأب إلى ابنه إلى الجيل الثالث والرابع . هذا الحق الخطر ينبغي أن يكون رادعا قويا يمنع الناس من السير في طريق الخطية. AA 264.2

    ( وأصنع إحسانا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي ) إن الوصية الثانية إذ تنهانا عن عبادة الآلهة الكاذبة تحتم علينا ، ضمنا ، أن نعبد الإله الحقيقي ، وهو يعد بأنه يصنع إحسانا لكل الأمناء ، ليس فقط إلى الجيل الثالث والرابع كما هدد بالغضب مبغضيه ، بل إلى ألوف الأجيال .AA 264.3

    ( لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا ، لأن الرب لا يبرئ من نطق اسمه باطلا ) .AA 264.4

    إن هذه الوصية لا تنهانا فقط عن الأقسام الكاذبة والحلف العادي ، ولكنها تنهانا أيضا عن استخدام اسم الله بكيفية طائشة في عدم مبالاة ، بدون توقير لذلك الاسم المخوف . إننا نهين الله حين نذكر اسمه بدون توقير في أحاديثنا العادية ، وحين نستشهد به في الأمور التافهة ، وحين نكرر اسمه مرارا بدون تفكير . ( قدوس ومهوب اسمه ) (مزمور 111 : 9) . ينبغي لكل الناس أن يتألموا في جلاله وطهارته وقداسته حتى ينطبع على القلب شعور بصفاته السامية ، وينبغي أن ينطقوا باسمه القدوس بكل خشوع ووقار .AA 264.5

    ( اذكر يوم السبت لتقدسه . ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك ، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك . لا تصنع عملا ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك . لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والبحر وكل ما فيها ، واستراح في اليوم السابع . لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه ) .AA 264.6

    إن السبت لم يذكر هنا على أنه تشريع جديد بل على أن أساسه قد وضع عند بدء الخليقة . فينبغي أن يذكر ويحفظ كتذكار لعمل الخالق . وإذ أشار إلى الله كصانع السماوات والأرض فهو يميز بين الله والآلهة الكاذبة . فالذين يحفظون اليوم السابع يبرهنون بهذا على أنهم عبدة الرب يهوه ( . وهكذا نرى أن السبت هو علامة ولاء الإنسان لله ما وجد على الأرض من يعبدونه . إن الوصية الرابعة هي الوصية الوحيدة بين الوصايا العشر التي ذكر فيها اسم المشترع ولقبه ، وهي الوصية الوحيدة التي ترينا بسلطة من أعطيت الشريعة ، وهكذا هي تشتمل على ختم الله مضافا إلى شريعته ، برهانا على قانونيتها وقوتها الملزمة .AA 264.7

    لقد أعطى الله للناس ستة أيام فيها يمارسون أعمالهم . وهو يطلب منهم أن يعملوا أعمالهم في ستة أيام العمل . ثم أن أعمال الضرورة والرحمة مسموح بها في يوم السبت ، إذ يجب العناية بالمتألمين والمرضى في كل الأوقات . أما الأعمال التي لا ضرورة لها فينبغي الامتناع عنها امتناعا باتا . ( إن رددت عن السبت رجلك ، عن عمل مسرتك يوم قدسي ، ودعوت االسبت لذة ، ومقدس الرب مكرما ، وأكرمته عن عمل طرقك وعن إيجاد مسرتك ) (إشعياء 58 : 13) ثم أن النهي لا ينتهي عند هذا الحد ، بل يقول النبي ( والتكلم بكلامك ) فأولئك الذين يتحدثون عن العمل أو شؤون التجارة أو يرسمون خططهم في يوم السبت هم معتبرون في نظر الله كأنهم يمارسون أعمالهم أو يعقدون صفقاتهم التجارية فعلا . فلكي نقدس السبت ينبغي ألا نسمح لعقولنا أن تفكر في أي شيء عالمي . ثم أن الوصية تشمل كل من في داخل أبوابنا ، فكل سكان البيت عليهم أن يلقوا جانبا أشغالهم الدنيوية في أثناء الساعات المقدسة ، وعلى الجميع أن يتحدوا في إكرام الله بخدمة طوعية في يومه المقدس. AA 266.1

    ( أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهلك ) .AA 266.2

    الآباء يستحقون قدرا من المحبة والاحترام لا يستحقه أي شخص آخر . إن الله نفسه الذي وضع عليهم مسؤولية الاهتمام بالنفوس المسلمة لهم كعهدة بين أيديهم ، رسم أنه في بكور حياة الأولاد ، ينوب الوالدون عن الله أمام أولادهم ، فذلك الذي يرفض السلطة الأبوية الشرعية إنما يرفض سلطان الله . والوصية الخامسة لا توجب على الأولاد أن يقدموا لوالديهم الإكرم والخضوع والطاعة وحسب ، بل أيضا أن يقدموا لهم المحبة والرقة ، ويخففوا من همومهم ويحرصوا على سمعتهم ويعزوهم في شيخوختهم ، كما تحتم أيضا تقديم الإكرام للخدام والحكام وكل من قد قلدهم الله السلطان .AA 266.3

    يقول الرسول : ).. هي أي وصية بوعد ) (إفسس 6 : 2) . وقد كانت هذه الوصية المصحوبة بالوعد ، بالنسبة إلى بني إسرائيل الذين كانوا ينتظرون دخول كنعان بعد قليل ، ضمانا للمطيعن بالعمر الطويل في تلك الأرض الشهية . ولكن لها معنى أوسع ، إذ هي تشمل كل إسرائيل الله وتعدهم بالحياة الأبدية على الأرض حينما تتحرر من لعنة الخطية .AA 267.1

    ( لا تقتل ) .AA 267.2

    كل أعمال الظلم التي تفضي إلى تقصير العمر ، وروح العداء والانتقام ، أو الاندفاع في تيار الضغب الذي يؤدي إلى إيقاع الأذى والعدوان على الغير ، أو حتى يجعلنا نتمنى لهم الضرر لأن ( كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس ) (1 يوحنا 3 : 15) والإهمال الأناني في رعاية المحتاجين أو المتألمين ، وكل انغماس وكل حرمان لا لزوم له ، والإفراط في العمل الذي يفضي إلى الإضرار بالصحة — كل هذه الأمور تعتبر ، إلى حد كبير أو صغير ، نقضا للوصية السادسة.AA 267.3

    ( لا تزن) .AA 267.4

    هذه الوصية لا تنهى فقط عن الأعمال النجسة بل تنهى أيضا عن الأفكار والرغبات الشهوانية وكذلك الأعمال التي تثيرها . الطهارة مطلوبة ليس فقط في الحياة الخارجية بل أيضا في النيات الخفية وانفعالات القلب . إن المسيح الذي علمنا عن حقوق شريعة الله البعيدة المدى أعلن أن الفكر الشرير والنظرة الشهوانية كلاهما خطية كالفعل غير المشروع .AA 267.5

    ( لا تسرق ) .AA 267.6

    إن الخطايا العلنية والسرية متضمنة كلها في هذا النهي . إن الوصية الثامنة تنهى عن سرقة الناس والمتاجرة بالعبيد ، وتنهى أيضا عن حروب الغزو . إنها تحرم اللصوصية والسرقة ، وتتطلب الاستقامة الكاملة في أدق تفاصيل شؤون الحياة ، وتنهى عن الاحتيال في التجارة ، وتتطلب إيفاء الديون والأجور العادلة . وهي تعلن أن كل محاولة لاستغلال جهل الآخرين أو ضعفهم أو سوء حالهم تسجل في أسفار السماء على أنها احتيال .AA 267.7

    ( لا تشهد على قريبك شهادة زور ) .AA 267.8

    الكلام الكاذب في أي أمر ، وكل محاولة لمخاتلة القريب هي متضمنة هنا . إن نية الخداع هي ما تقرر الكذب . يمكن أن يكذب الإنسان بنظرة العين أو بحركة اليد أو بتعبير على الوجه كما يكذب بالكلام فعلا . وكل مبالغة مقصودة وكل تلميح أو تنويه يقصد به أن يحمل تأثيرا مخطئاً أو مبالغا فيه ، وحتى تقرير الحقائق بكيفية مضللة هو كذب . هذه الوصية تحرم كل مسعى للإضرار بسمعة قريبنا بالتحريف أو سوء الظن ، بالافتراء أو النميمة ، وحتى حجز الحق وكبته عن قصد ، الأمر الذي ينتج عنه ضرر للغير ، وهو نقض للوصية التاسعة .AA 268.1

    )لا تشته بين قريبك . لا تشته امرأة قريبك ، ولا عبده ، ولا أمته ، ولا ثوره ، ولا حماره ، ولا شيئا مما لقريبك ) .AA 268.2

    إن الوصية العاشرة تضرب على أصل كل الخطايا ، فهي تحرم الرغبة أو الشهوة الأنانية التي تنشأ عنها الأعمال الخاطئة ، فذلك الذي ، امتثالا لشريعة الله ، يتمنع عن التمادي حتى في الاشتهاء الخاطئ لما يملكه إنسان آخر لن يكون مجرما في ارتكاب خطأ نحو بني جنسه .AA 268.3

    هذه هي الوصايا العشر التي سمعت من وسط الرعود والنار ، في عرض عجيب لقدرة المشترع العظيم وجلاله . لقد قرن الله إعلان شريعته بإظهار قدرته ومجده حتى لا ينسى شعبه هذا المنظر أبدا ، ولتنطبع في أذهانهم آثار التوقير العظيم لواضع الشريعة ، خالق السماء والأرض . كما كان يريد أن يرى كل الناس قدسية شريعة الله وأهميتهما ودوامها .AA 268.4

    أما بنو إسرائيل فقد شملهم الرعب العظيم . إن قوة كلمات الله الرهيبة بدت أعظم مما تستطيع قلوبهم المرتجفة أن تحتمله ، لأنه إذ بسطت أمامهم شريعة الله ، شريعة الحق والاستقامة تحققوا هول الخطية وشر آثامهم في نظر الله القدوس أكثر مما فعلوا قبلا . لقد تقهقروا بعيدا عن الجبل خوفا منهم ورهبة . وصرخ الجميع إلى موسى قائلين : ( تكلم أنت معنا فنسمع ، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت ) فأجابهم قائدهم بقوله : ( لا تخافوا، لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم ، ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا ) (خروج 20 : 19 — 21) . ومع ذلك فقد وقف الشعب من بعيد شاخصين برعب إلى ذلك المنظر . ( أما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله ) .AA 268.5

    إن عقول الشعب إذ كانت عمياء ومنحطة بسبب العبودية والوثنية لم تكن مهيأة لأن تقدر ، التقدير الكامل ، مبادئ وصايا الله العشر البعيدة المدى . فكلي تفهم مطاليب الوصايا العشر وتنفذ أعطيت وصايا إضافية لشرح الوصايا العشر وتطبيقها . وقد سميت هذه الشرائع أحكاما ، لأنها صيغت بحكمة وعدالة غير محدودة ، ولأن القضاة كان عليهم أن يحكموا بموجبها . وهي ، على خلاف الوصايا العشر ، سلمت خاصة لموسى الذي كان عليه أن يبلغها للشعب .AA 268.6

    وأول تلك الشرائع هي الخاصة بالعبيد ، كان المجرمون في العصور القديمة يباعون أحيانا عبيدا بأمر القضاة ، وفي بعض الحالات كان الدائنون يبيعون المدينين ، وكان الفقر يدفع بعض الناس لأن يبيعون أنفسهم أو أولادهم . ولكن العبراني لم يكن ليباع عبدا مدى الحياة . فقد كانت مدة خدمته كعبد لا تتجاوز ست سنين ، وفي السنة السابعة كان يطلب حرا . أما سرقة الرجال والقتل العمد والتمرد على سلطة الآباء فكان قصاصها الموت ، وكان يسمح لهم في الاحتفاظ بالعبيد من غير الإسرائيليين ولكن كان يجب المحافظة على حياتهم وأشخاصهم ، فمن قتل عبدا كان لا بد من أن يتحمل القصاص ، فإذ أوقع عليه سيده أي أذى حتى لو كان كسر سن من أسنانه كان يلتزم بأن يطلقه حرا .AA 269.1

    لقد كان الإسرائيليون أنفسهم عبيدا منذ عهد قريب . فالآن بعد ما صار لهم الحق في اقتناء العبيد كان عليهم أن يتحرسوا من مراعاة روح القسوة والاغتصاب التي كانوا قد قاسوا الأمرين منها على أيدي المسخرين المصريين . إن ذكرى عبوديتهم المريرة كان يجب أن تجعلهم يضعون أنفهسم في مكان العبيد ، وتقودهم إلى الشفقة والرأفة ، وأن يعاملوا الغير كما يريدون أن يُعاملوا هم .AA 269.2

    وقد روعيت حقوق الأرامل والأيتام بكيفية خاصة ، وفرض على الشعب أمر الشفقة والعطف عليهم في عجزهم فيقول الرب : ( إن أسأت إليه فإني إن صرخ اليّ أسمع صراخه ، فيحمى غضبي وأقتلكم بالسيف فتصير نساؤكم أرامل ، وأولادكم يتامى ) (خروج 22 : 23 ، 24) أما الغرباء الذين أرادو أن يتحدوا مع إسرائيل فكان لا بد من حمياتهم من الظلم والعنف . ( ولا تضايق الغريب فإنكم عارفون نفس الغريب ، لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر ) (خروج 23 : 9) .AA 269.3

    وقد حرم علهيم أخذ ربا من الفقراء . إن ثوب الفقير أو غطاءه إذا أخذ كرها ينبغي أن يعاد إليه في وقت الغروب . والمتهم في سرقة كان عليه أن يعوض ضعف ما سرقه . وقد فرض الشعب إكرام القضاة والحكام ، وقدم للقضاة إنذارا بألا يعوجوا القضاء بكونهم يساعدون في نجاح قضية كاذبة أو أن يقبلوا رشوة ، كما حرم على الناس الافتراء والسعي بالوشاية ، أما أعمال الشفقة فقد فرضت على الشعب حتى مع الأعداء .AA 269.4

    وعاد الرب يذكرهم مرة أخرى بوجوب تقديس السبت ، وقد عينت لهم الأعياد السنوية . وفي أثناء هذه الأعياد كان على كل الرجال أن يجتمعوا أمام الرب ويقدموا لlkه تقدمات شكرهم وباكورات ثمار إنعاماته التي قد أغدقها عليهم . وقد أبان لهم الغرض من كل تلك الأنظمة ، فلم يكن الدافع إليها مجرد فرض سلطة استبدادية ، ولكن الغرض منها جميعها كان غير إسرائيل ، ولقد قال الله : ( وتكونون لي أناسا مقدسين ) (خروج 22 : 31) مستأهلين لأن يعترف بهم الله القدوس .AA 270.1

    وكان على موسى أن يسجل هذه الشرائع ويحفظها بكل حرص لتكون أساس الشريعة القومية ، مع الوصايا العشر التي قد وضعت الشرائع الأخرى لشرحها ، والتي هي شرط إتمام مواعيد الله لإسرائيل . وهذه هي الرسالة التي قدمها لهم الرب . ( ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق ، وليجئ بك إلى المكان الذي أعددته . احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه ، لأنه لا يصفح عن ذنوبكم ، لأن اسمي فيه . ولكن إن سمعت لصوته وفعلت كل ما أتلكم به ، أعادي أعداءك ، وأضايق مضايقيك ) (خروج 23 : 20 - 22) وطوال سني تجوال إسرائيل كان المسيح ممثلا في عمود السحاب وعمود النار قائد لهم . وعندما كانت هنالك رموز تشير إلى مخلص آت كان هنالك أيضا مخلص حاضر وهو الذي كان يصدر أوامره لموسى ليبلغها للشعب ، والذي وضع أمامهم على أنه المجرى الوحيد للبركة .AA 270.2

    وبعد نزوله من الجبل ( جاء موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الأحكام ، فأجاب جميع الشعب بصوت واحد وقالوا : كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل ) (أنظر خروج 24) فهذا التعهد مع كلام الرب الذي جعلهم تحت التزام الطاعة كتبه موسى في كتاب .AA 270.3

    وتبع ذلك المصادقة على العهد . فقد بني مذبح عند أسفل الجبل وأقيم إلى جواره اثنا عشر عمودا ( لأسباط إسرائيل الإثني عشر ) شهادة على قبولهم للعهد . وأصعد المحرقات فتيان بني إسرائيل الذين كانوا قد اختيروا للقيام بهذه الخدمة .AA 270.4

    وبعدما رش موسى دم الذبائح على المذبح ( أخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب ) وهكذا تكررت شروط العهد بكل وقار ، وكان للشعب الحرية الكاملة للاختيار بين الامتثال وعدم الامتثال لتلك الشروط . كانوا في البداءة قد وعدوا بأن يطيعوا صوت الرب ، ولكنهم كانوا منذ ذلك الحين قد سمعوا الشريعة وهي تعلن على مسامعهم ، وقد فصلت مبادئها أمامهم لكي يعرفوا فحوى مشتملات ذلك العهد الذي طلب منهم الامتثال له . ومرة أخرى أجاب الشعب بالإجماع قائلين : ( كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له ) (انظر خروج 24) ( لأن موسى بعدما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس ، أخذ دم ... ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب ، قائلا : هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به ) (عبرانيين 9 : 19 ، 20) .AA 271.1

    أجريت الترتيبات الآن لتثبيت الأمة المختارة تثبيتا كاملا تحت سلطان الرب ملكا لهم ، وسمع موسى أمر الرب قائلا له : ( اصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأبيهو ، وسبعون من شيوخ إسرائيل ، واسجدوا من بعيد . ويقترب موسى وحده إلى الرب ) فبينما سجد الشعب في أسفل الجبل فهؤلاء الرجال المختارون صعدوا فوقه . لقد كان على الشيوخ السبعين أن يساعدوا موسى في حكم إسرائيل ، ووضع الرب عليهم روحه ، وأكرمهم بأن أراهم لمحة من قدرته وعظمته ، ( ورأوا إله إسرائيل ، وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف ، وكذات السماء في النقاوة ) إنهم لم يروا اللاهوت بل رأوا مجد حضوره . ما كان يمكنهم قبل ذلك أن يحتملوا منظر كهذا ، ولكن إظهار قدرة الله ملأهم هيبة وقادهم إلى التوبة . لقد ظلوا يتأملون في مجده وطهارته ورحمته حتى أمكهم الاقتراب أكثر إلى ذاك الذي كان موضوع تأملاتهم .AA 271.2

    دعي موسى ( ويشوع خادمه ) لملاقاة الله ، وحيث أنهما كانا سيقضيان بعض الوقت هناك فقد عين ذلك القائد ، هارون وحور يساعدهما الشيوخ لينوبوا عنه في أثناء غيابه ( فصعد موسى إلى الجبل ، فغطى السحاب الجبل ، وحل مجد الرب على جبل سيناء ) فغطى السحاب الجبل مدة ستة أيام علامة على حضور الله الخاص ، ومع ذلك فلم يكن هناك إعلان لذاته أو تبليغ لإرادته ، وفي خلال هذه المدة ظل موسى منتظرا دعوى إلى حضرة العلي ، وقد أمره الرب قائلا : ( صعد إليّ إلى الجبل ، وكن هناك ) ومع أن صبر موسى وطاعته كانا يجتازان في امتحان فهو لم يتضجر من السهر ولا بارح مكانه . إن فترة الانتظار هذه كانت له فرصة استعداد وامتحان دقيق لنفسه . حتى خادم الله المحبوب هذا لم يستطع الاقتراب مباشرة إلى الرب واحتمال مظاهر مجده ، فلقد كان بحاجة إلى ستة أيام ليكرس نفسه لله بفحصه لقلبه وبالتأمل والصلاة قبلما أمكنه التأهب للاتصال المباشر بخالقه .AA 271.3

    وفي اليوم السابع الذي وافق يوم سبت دعي موسى إلى السحابة وانفتحت السحابة أمام عيون كل إسرائيل وكان منظر مجد الرب كنار آكلة ، ( ودخل موسى في وسط السحاب وصعد إلى الجبل . وكان موسى في الجبل أربعين نهارا وأربعين ليلة ) إن الأربعين يوما التي قضاها موسى في الجبل مع الله لم تشمل ستة أيام الاستعداد . في أثناء الستة الأيام كان يشوع مع موسى وكانا كلاهما يأكلان من المن ويشربان من ( الجدول الذي كان ينبع من الجبل ) ولكن يشوع لم يدخل في السحابة مع موسى بل ظل في الخارج وكان يأكل ويشرب كل يوم وهو منتظر عودة موسى ، ولكن موسى ظل صائما مدة الأربعين يوما .AA 272.1

    إن موسى في أثناء بقاءه في الجبل تلقى تعليمات من الله بشأن بناء مقدس يتجلى فيه الرب بكيفية خاصة ، إذ يقول ( فيصنعون لي مقدسا لأسكن في وسطهم ) (خروج 25 : 8) هكذا أمر الله . وللمرة الثالثة ذكر أمر الله الخاص بتقديس يوم السبت ، فلقد أعلن الرب قائلا : ( هو بيني وبين بني إسرائل علامة إلى الأبد ) ( لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم ، فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم ... إن كل من صنع فيه عملا تقطع تلك النفس من بين شعبها ) (خروج 31 : 17 ، 13 ، 14) وكان موسى قد تلقى أوامر من الرب بأن يسرع بإقامة خيمة لأجل خدمة الله ، والآن كان يمكن أن يستنتج الشعب ، لأن غايتهم من هذا العمل هي مجد الله ، ولحاجتهم القصوى إلى مكان للعبادة ، أنه يسمح لهم بأن يقوموا بهذا لعمل في يوم السبت ، فلكي يحال بينهم وبين ارتكاب ذلك الخطأ أعطي لهم الإنذار أنه حتى نفسه قدسية ذلك العمل الخاص واضطرارهم للقيام به لله خاصة بأسرع ما يمكن — كل هذا ينبغي ألا يسوقهم إلى نقض يوم الراحة المقدس .AA 272.2

    كان شعب إسرائيل سيكرمون منذئذ بحضور ملكهم ، فلقد قال تعالى : ( وأسكن في وسط بني إسرائيل وأكون لهم إلها ) ( وأجتمع هناك ببني إسرائيل فيقدس بمجدي ) (خروج 29 : 45 ، 43) هذا هو التأكيد الذي أعطي لموسى . وكرمز لسلطان الله وكبيان شامل لإرادته أعطيت لموسى نسخة من الوصايا العشر مكتوبة بإصبع الله نفسه على لوحي حجر (تثنية 9 : 10 ، خروج 32 : 15 ، 16) لكي يوضعا بكل إكرام وتقدير في المقدس الذي بعدما يقام سيكون مركز عبادة الأمة .AA 272.3

    لقد رفع الله شأن بني إسرائيل من أمة من العبيد إلى أن صاروا أرفع من كل الشعوب ، وخاصة لملك الملوك . فصلهم عن العالم ليستأمنهم على وديعة مقدسة ، إذ أودع بين أيديهم شريعته ، وقصد أنه عن طريقهم يحفظ معرفة ذاته بين الناس ، وهكذا كان نور السماء سيشرق على عالم مكتنف بالظلام ، وكان سيرتفع صوت يدعو الناس من كل الشعوب لأن يتركوا عبادة الأوثان ليعبدوا الله الحي . فإذا برهن بنو إسرائيل على أمانتهم على الوديعة المسلمة لهم فسيصيرون قوة في العالم . وسيكون الرب حصنهم ويرفعهم فوق كل الأمم الأخرى ، وعن طريقهم سيعلن نوره وحقه ، وسيثبتون إلى جانب سلطته الحكيمة المقدسة كمثال لسمو عبادته فوق كل أشكال العبادة الوثنية .AA 273.1

    * * * * *