Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الاباء والانبياء - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل التاسع والعشرون—عداء الشيطان للشريعة

    إن أولى مسعى بذله الشيطان لهدم شريعة الله كان ذاك الذي قام به بين سكان السماء القديسين ، وقد ظهر إلى حين كأنه قد كلل بالنجاح ، إذ انخدع عدد كبير من الملائكة ، ولكن انتصار الشيطان الظاهري انتهى بالهزيمة والخسران والانفصال عن الله والطرد من السماء .AA 288.1

    ولما تجددت الحرب على الأرض ظهر أن الشيطان غنم ميزة مرة أخرى ، إذ صار الإنسان ، بالتعدي ، أسيرا لإبليس ، وسلمت مملكة الإنسان ليدي ذلك العاصي الأكبر . وقد بدا الآن كأن الطريق مفتوح أمام الشيطان ليقيم مملكة مستقلة ويتحدى سلطان الله وابنه . على أن تدبير الخلاص فتح الباب أمام الإنسان لإمكانية عودة الوفاق بينه وبين الله ولإطاعة شريعته ولافتداء الإنسان والأرض نهائيا من سلطان الشرير .AA 288.2

    ومرة أخرى انهزم الشيطان ، ومرة أخرى لجأ إلى الخداع على أمل أن يحول هزيمته إلى نصرة . ولكي يوقظ العصيان في قلوب الناس الساقطين صور الله على أنه إله ظالم لكونه سمح للإنسان بأن يتعدى شريعته . فقال ذلك المجرب الماكر : ( لماذا سمح الله بأن يجرب الإنسان لخطئ ويتسبب في جلب الشقاء والموت ، مع أنه تعالى يعرف النتيجة ؟ ) هذا وإن بني آدم إذ نسوا رحمة الله وطول أناته التي منحت الإنسان اختبار آخر بصرف النظر عن التضحية المذهلة الرهيبة التي أوجبها عصيانهم على ملك السماء ، أصغوا إلى المجرب وتذمروا على السيد الذي يستطيع وحده أن يخلصهم من سلطان المهلك المدمر .AA 288.3

    هناك اليوم ألوف من الناس الذين يرددون صدى هذه الشكوى وهذا التمرد على الله . إنهم لا يرون أن تجريد الإنسان من حرية الاختيار هو سلب لاميتازه ككائن عاقل وجعله آلة تتحرك تلقائيا . إن الله لا يقصد أن يجبر إرادة الإنسان على إطاعته . لقد خلق الإنسان كائنا أدبيا ذا إرادة حرة ، وكسكان العوالم الأخرى ينبغي أن تمتحن طاعته ، ولكنه لا يصير إلى حالة تجعل خضوعه للشر أمرا لازما لا مندوحة عنه . إنه لا تجربة ولا امتحان يقدمان إليه يعجز هو عن الانتصار فيهما . لقد أعد الله العدة الكافية التي كان يمكن أن خفظ الإنسان من شر الهزيمة في صراعه مع الشيطان .AA 288.4

    وإذ تكاثر الناس على الأرض انضم العالم كله تقريبا إلى صفوف المتمردين . ومرة أخرى حاول الشيطان أن يحرز النصرة . ولكن قدرة الله قضت على عمل الإثم مجددا واغتسلت الأرض بالطوفان من نجاستها الأدبية يقول النبي : ( حينما تكون أحكامك في الأرض (يا رب) يتعلم سكان المسكونة االعدل .. ولا يرى جلال الرب ) (إشعياء 26 : 9 ، 10) وهكذا حدث بعد الطوفان ، فإذ استراح سكان الأرض من أحكام الرب ودينونته عادوا يتمردون على الرب . وقد رفض العالم عهد الله وشرائعه مرتين ، فإن الناس قبل الطوفان وكذلك سلالة نوح طرحوا عنهم سلطان الله . حينئذ دخل الله في عهد مع إبراهيم واتخذ لنفسه شعبا خاصا ليكونوا أمناء على شريعته . ففي الحال بدأ الشيطان في إعداد أشراكه لكي يغوي هذا الشعب ويهلكه . وقد جرب بنو يعقوب ليختلطوا بالوثنيين عن طريق الزواج ويعبدوا أصناهم . إلا أن يوسف كان أميناً لله ، وكان ولاءه شهادة دائمة على صدق الإيمان الحقيقي . ولكي يطفئ الشيطان هدا النور جعل حسد إخوة يوسف له يسوقهم إلى بيعه كعبد في بلاد وثنية . ولكن الله سيطر على الحوادث بحيث جعل معرفته تعطى للمصريين . ففي بيت فوطيفار وفي السجن حصل يوسف على تعليم وتدريب أعداه مع مخافة الله لمركزه العظيم كرئيس وزراء الدولة . ومن قصر فرعون شعر الناس بتأثيره في كل البلاد فانتشرت معرفة الله في طول البلاد وعرضها . صار الإسرائيليون ناجحين وأثرياء في مصر . وأولئك الذين كانوا أمناء لله بينهم كان لهم تأثير واسع النطاق . وقد امتلأت قلوب كهنة الأصنام هلعا وهم يلاحظون الدين الجديد يلقى قبولا من الناس . ونفث الشيطان في قلوبهم سموم عداوته لإله السماء فحاولوا إطفاء النور . وقد أسند إلى الكهنة أمر تهذيب وارث العرش ، وكانت هذه الروح ، روح الإصرار على مقاومة الله والغيرة على عبادة الأوثان هي التي شكلت أخلاق الملك العتيد ، وأوجبت إيقاع القسوة والظلم على العبرانيين وفي خلال الأربعين سنة بعد هروب موسى من مصر بدا كأن الوثنية قد انتصرت . ومن سنة إلى سنة ضعفت آمال الإسرائيليين وتضاءلت . وقد تهلل ملك مصر وشعب مصر معتزين بقوتهم وسخروا من إله إسرائيل ، وكبرت هذه الروح واستشرت حتى بلغت أوج قوتها في فرعون الذي واجهه موسى . وعندما أتى القائد العبراني ومثل أمام الملك وقدم له رسالة من ( الرب إله إسرائيل ) لم يكن جلهه للإله الحقيقي بل تحديه لقدرته هو الذي لقنه الجواب حين قال : ( من هو الرب حتى أسمع لقوله لا أعرف الرب ) (خروج 5 : 2) . فمن البداية إلى النهاية لم تكن مقاومة فرعون لأمر الرب ناشئة عن الجهل بل عن العداء والتحدي .AA 289.1

    ومع أن المصريين ظلوا طويلا يرفضون معرفة الله فقد أعطاهم الرب فرصة للتوبة . كانت مصر في أيام يوسف مأوى إسرائيل ، وقد أكرم الله وتمجد في الرفق الذي عومل به شعبه ، والآن فها هو الرب الطويل الأناة البطيء الغضب المملوء إشفاقا ورحمة أعطى لكل ضربة من الضربات وقتا كافيا لتعمل عملها . فالمصريون الذين حلت اللعنة عليهم بواسطة الخلائق التي كانوا يتعبدون لها أدركوا قدرة الرب ، وأن في استطاعة كل من أراد منهم أن يحضع لله وينجو من الدينونة ، ونتج عن تعصب الملك عناده انتشار معرفة الله قد سلم كثيرون من المصريين أنفهسهم لخدمته .AA 290.1

    وبسبب ميل الإسرائيليين إلى الاندماج بالوثنيين ومحاكاتهم في عبادة الأصنام سمح الله لهم بالنزول إلى مصر حيث كان نفوذ يوسف وتأثيره ملومسين في كل مكان ، وحيث كانت الظروف تساعد على بقائهم شعبا خاصا . وفي مصر أيضا كان ينبغي أن انغماس المصريين في عبادة الأوثان ، والقسوة والاضطهاد الذين حلا بالعبرانيين في المدة الأخيرة من أيام اغترابهم في مصر تجعلهم يكرهون الوثنية ويمقتونها ، وكان ينبغي أن تجعلهم يهرعون للاحتماء بإله آبائهم ، ولكن الشطيان جعل نفس هذه العناية واسطة لخدمة أغراضه إذ أظلمت عقول الإسرائيليين وقادتهم إلى محاباة سادتهم الوثنيين في ممارساتهم . وبسبب الإكرام الخرافي الذي كان يبديه المصريون للحيوانات لم يكن يسمح للعبرانيين في أثناء سني عبوديتهم بتقديم ذبائح كفارية لله . وهكذا لم تتجه عقولهم بواسطة هذه الذبائح إلى الذبيحة العظمى ، فضعف إيمانهم . ولما حان وقت خلاص إسرائيل أقام الشيطان نفسه محاربا ومقاوما لمقاصد الله ، عازما على إبقاء ذلك الشعب العظيم البالغ عدده حينئذ أكثر من مليون نسمة في أسر الجهل والخرافات ، ذلك العشب الذي وعد الله أن يباركهم و يكثرهم قوة على الأرض ، وعن طريقهم يعلن معرفة مشيئته ، الشعب الذي كان سيجعلهم حفظه لشريعته — هذا الشعب نفسه - أراد الشيطان أن يبقيهم في ظلام الجهالة والعبودية لكي يستأصل من عقولهم ذكرى الله .AA 290.2

    وحين أجريت المعجزات أمام الملك كان الشيطان في الميدان يعكس تأثيرها ويصد فرعون عن الاعتراف بعظمة الله وإطاعة أوامره . لقد بذل الشيطان أقصى جهده ليزيف عمل الله ويقاوم مشيئته ، وكانت النتيجة الوحيدة هي إعداد الطريق لإظهار قدرة الله ومجده بكيفية أعظم وأكمل ، ولجعل وجود الإله الحي الحقيقي وسلطانه أكثر جلاء ووضوحا في عيون الإسرائيليين وكل المصريين .AA 291.1

    خلص الرب إسرائيل بإعلانات قوية لقدرته ، وبأحكام أجراها على كل آلهة مصر . ( أخرج شعبه بابتهاج ، ومختاريه بترنم .. لكي يحفظوا فرائضه ويطيعوا شرائعه ) (مزمور 105 : 43 - 45) . لقد أنقذهم من حالة المذلة التي كانوا فيها لكي يأتي بهم إلى أرض جيدة ، أرض أعدها في عنايته ، لكي تكون ملجأ لهم من أعدائهم ، حيث يمكنهم أن يسكنوا تحت ظل جناحيه . كان يريد أن يأتي بهم إلى نفسه ويحيطهم بالأذرع الأبدية . وجزاء لكل صلاحه ورحمته نحوهم كان المطلوب منهم ألا يكون لهم آلهة أخرى أمامه ، هو الإله الحي ، وأن يعظموا اسمه ويجعلوه ممجدا في الأرض .AA 291.2

    وفي أثناء سني العبودية في مصر أضاع كثيرون من الإسرائيليين معرفة شريعة الله إلى حد كبير ، وخلطوا بين وصاياه والعادات والتقاليد الوثنية ، فأتى الله بهم إلى سيناء حيث أعلن لهم شريعته بصوته .AA 291.3

    إن الشيطان والملائكة الأشرار كانوا في الميدان ، ففيما كان الله يعلن شريعته لشعبه كان الشيطان يدبر مكايده ليجرب الشعب حتى يخطئوا . هذا الشعب الذي اختاره الله لنفسه أراد الشيطان أن يفسده أمام وجه السماء . فإذا أفلح جعلهم يعتنقون الوثنية فسيلاشي كل قوة عبادة الله وفاعليتها ، إذ كيف يسمو الإنسان بالتعبد لإله ليس أسمى منه ولا أرفع شأنا ويمكنه أن يصوره بيديه ؟ إذا كان الناس يصيرون عميانا عن قدرة الله غير المحدود وعن جلاله ومجده بحيث يصورونه على هيئة تمثال منحوث أو كأحد الوحوش أو الزواحف ، وأذا كانوا ينسون صلتهم المقدسة إذ أنهم قد صوروا على صورة خالقهم بحيث يسجدون أمام أشياء عاصية وعديمة الإحساس ، إذا فسيفتح الباب على سعته للإباحية الدنسة ، ولن يكون هنالك رادع يكبح أميال القلب الشريرة وحيئنذ ستكون للشيطان السيادة الكاملة .AA 291.4

    وعند سفح جبل سيناء نفسه بدأ الشيطان بتنفيذ خططه لهدم شريعة الله ، وهكذا استأنف عمله الذي بدأ به في السماء ، ففي أثناء الأربعين يوما التي قضاها موسى مع الله في الجبل كان الشيطان يعمل على إثارة الشكوك والارتداد والعصيان . وإذ كان الله يكتب شريعته ليسلمها لشعبه المختار ، رفض الإسرائيليون تقديم الولاء للرب وطلبوا آلهة من ذهب ! ولما نزل موسى من محضر مجد الرب الرهيب وبيده وصايا الشريعة التي كانوا قد تعهدوا بإطاعتها ، رآهم ، في تحد سافر لتلك الوصايا ، بسجودهم أمام تمثال الذهب .AA 292.1

    والشيطان إذ أراد أن يسوق إسرائيل إلى هذا التجديف والإهانة الجريئة كان قد رسم خطة لإهكلاهم معتقدا أنه بما أن أولئك الناس قد برهنوا على انحطاطهم الشنيع ، وعادوا لا يحسون بقيمة الامتيازات والبركات التي منحهم إياها الله ، ولا بالعهود المقدسة المتكررة التي قطعوها على أنفسهم بالتمسك بولائهم للرب ، فالله لا بد من أن يطرحهم بعيدا عنه ويقضي عليهم بالهلاك . وهكذا تستأصل ذرية إبراهيم ، نسل الموعد الذي كان سيحتفظ بمعرفة الله الحي ، والذي كان النسل الحقيقي (المسيح) سيأتي منه ليهزم الشيطان . لقد رسم ذلك العاصي الأكبر خطة لإهلاك إسرائيل وهكذا يعيق مقاصد الله ويعرقلها . ولكنه انهزم مرة أخرى . ومع أن بني إسرائيل كانوا خطاة فإنهم لم يهلكوا ، فبينما أهلك من وقفوا بعناد إلى جانب الشيطان فجأة ، فالشعب المتذلل التائب غفرت خطاياه برأفة ، وكان لا بد أن يظل تاريخ هذه الخطية شهادة دائمة على شر الوثنية وقصاصها وعدالة الله ورحمته وطول أناته .AA 292.2

    كان سكان الكون جميعا شهودا للمنظر الذي حدث في سيناء . ففي تنفيذ كلتا السياستين رؤي الفرق بين حكم الله وحكم الشيطان . ومرة أخرى رأى سكان العوالم الأخرى الأبرار نتائج ارتداد الشيطان ونوع الحكومات التي كان ليقيمها في السماء لو أتيح له أن يملك .AA 292.3

    إن الشيطان إذ جعل الناس يتعدون الوصية الثانية أراد أن يحط ويحقر تفكيرهم عن الكائن الالهي ، وإذ جعلهم يغفلون الوصية الرابعة أراد أن ينسيهم الله بالكلية . إن حق الله في التوقير والعبادة فوق آلهة الوثنيين مبني على حقيقة كونه الخالق ، وأن كل الخلائق مدينة له بوجودها ، وهذا حق نجده مدونا في الكتاب ، فالنبي إرميا يقول : ( أما الرب الإله فحق . هو إله حي وملك أبدي ... الآلهة التي لم تصنع السماوات والأرض تبيد من الأرض ومن تحت هذه السماوات.. بلد كل إنسان من معرفته . خزي كل صائغ من التمثال ، لأن مسبوكة كذب ولا روح فيه . هي باطلة صنعة الأضاليل . في وقت عقابها تبيد . ليس كهذه نصيب يعقوب ، لأن مصور الجميع ، وإسرائيل قضيب ميراثه . رب الجنود اسمه ) (إرميا 10 : 10 — 12 ، 14 - 16) . إن السبت كتذكار لقوة الله الخالقة يشير إليه على أنه صانع السماوات والأرض . لهذا فهو شاهد على وجوده ومذكر بعظمته وحكمته ومحبته . فلو قدس الناس السبت دائما لما وجد في الأرض ملحد ولا عباد وثن .AA 292.4

    إن شريعة السبت التي بدأت أصلا في عدن هي شريعة قديمة قدم الأرض نفسها . ولقد حفظها الآباء منذ بدء الخليقة فما بعد ذلك . وفي أثناء سني عبودية إسرائيل في مصر أجبرهم مسخروهم على انتهاك حرمة يوم السبت فضاعت معرفة قدسيته إلى حد كبير . وعندما أعلنت الشريعة في سيناء جاءت أولى كلمات الوصية الرابعة تقول : ( اذكر يوم السبت لتقدسه ) (خروج 20 : 8) . مببنة أن شريعة السبت لم تبدأ هناك في سيناء بل هي تعود بنا إلى أصلها عند بدء الخليقة . إن الشيطان لكي يلاشي الله من عقول الناس كان يهدف إلى ملاشاة هذا التذكار . فلو أمكن أن ينسى الناس خالقهم لما بذلوا أي جهد في مقاومة قوة الشر ، وحينئذ يتمكن الشيطان من فريسته .AA 293.1

    إن عداوة الشطيان لشريعة الله ألزمته أن يحارب كل وصية من الوصايا العشر . فهنالك صلة وثيقة بين ذلك المبدأ العظيم ، مبدأ المحبة والولاء لله أبي الجميع ، ومحبة البنين وطاعتهم لوالديهم . فاحتقار سلطة الآباء لا بد من أن يقود الإنسان سريعا إلى احتقار سلطان الله . ولهذا فقد حاول الشطيان أن يقلل من الاقتناع بوجوب حفظ الوصية الخامسة . فبين الشعوب الوثنية قلما يكترث الناس للمبدأ المفروض في هذه الوصية . وفي أمم كثيرة كان الآباء يتركون أو يقتلون حين كان كبر سنهم يحول بينهم وبين قدرتهم على إعالة أنفسهم . وفي العائلة كانت الأم تعامل بأقل احترام . ومتى مات رجلها كان يطلب منها الخضوع لسلطة ابنها الأكبر . لقد فرض موسى على الأبناء إطاعة والديهم ، ولكن عندما ترك الإسرائيليون الرب أغفلوا الوصية الخامسة مع غيرها من الوصايا .AA 293.2

    كان الشيطان ( قتالا للناس من البدء ) (يوحنا 8 : 44) حالما صار له الشيطان على الجنس البشري علاوة على كونه علم الناس أن يبغضوا ويقتلوا بعضهم بعضا ققد جعلهم بكل جرأة يتحدون سلطان الله ، فجعل كسر الوصية السادسة جزءا من دينهم الذي إياه يعتنقون .AA 294.1

    وبسبب سوء فهم الناس لصفات الله أدى الأمر بالوثنيين إلى الاعتقاد أن تقديم الذبائح البشرية لازم لكي ترضى عنهم آلهتهم ، وهكذا تفشت أرهب اأوان القسوة في أشكال الوثنية المتعددة ، ومن بين هذه الفظائع كانت إجازتهم لأولادهم في النار أمام أوثانهم . ومتى جاز أحدهم في هذه المحنة دون أن يمسه أذى كان الناس يعتقدون أن ذبيحتهم قبلت ، والذي ينجو من الموت كان يعتبر أن الألهة قد اختصته بحبها ورضاها ، وكانت تغدق عليه الهبات والعطايا ويعطى له مقام رفيع فيما بعد ، ومهما كانت جرائمه شنيعة لم يكن يلحقه أي قصاص . أما إذا احترق أحدهم وهو يجوز في النار فقد ختم على مصيره ، وكانوا يعتقدون أن غضب الآلهة لا يمكن أن تهدأ إلا بالقضاء على الضحية بالموت ، ولذلك كان يقدم ذبيحة . وفي أيام الارتداد العظيم كانت مثل هذه الرجاسات تتفشى بين الإسرائيليين أنفسهم إلى حد ما .AA 294.2

    وقديما أيضا كان الناس يتعدون الوصية السابعة باسم الدين . فكانت أحط الطقوس الرجسة والخليعة جزاءا عن العبادة الوثنية . وكانت الآلهة نفسها تصور وتمثل على أنها نجسة ، وكان عابدوها يطلقون العنان لأحط شهواتهم . وتفشت بين الناس رذائل غير طبيعية حتى اتصفت أعيادهم الدينية بالنجاسة العلنية الشاملة .AA 294.3

    وفي وقت مبكر انتشرت خطية تعدد الزوجات ، وكانت ضمن الخطايا التي جلبت غضب الله على العالم قبل الطوفان ، ومع ذلك فقد انتشرت هذه الخطية بعد الطوفان مرة أخرى . إن مسعى الشيطان المدروس كان ليفسد سنة الزواج ويضعف من التزاماته ويقلل من قدسيته . إذ لم تكن هناك طريقة أضمن لتشويه صورة الله في قلب الإنسان وفتح الباب على سعته للرذيلة والشقاء .AA 294.4

    ومنذ بدء الصراع العظيم كان غرض الشيطان أن يسيء تمثيل صفات الله ويثير التمرد على شريعته ، وبدا أن هذا العمل قد كلل بالنجاح ، إذ أن جماهير من الناس يصيخون بأسماعهم لمخادعات الشطيان ويقفون من الله موقف العداء ، ولكن في وسط عمل الشر نجد مقاصد الله تسير بثبات نحو الإنجاز ، وهو يعلن رحمته وعدله لكل الخلائق العاقلة . وبسبب تجارب الشطيان تعدى كل الجنس البشري شريعة الله ، ولكن بذبيحة ابنه انفتحت الطريق التي بواسطتها يمكنهم الرجوع إلى الله . وبنعمة المسيح يستطيعون أن يطيعوا شريعة الآب . وهكذا ففي كل عصر ، ومن وسط الارتداد والعصيان يجمع الله لنفسه شعبا يكون أمينا له — الشعب ( الذي شريعتي في قلبه ) (إشعياء 7 : 51) .AA 294.5

    لقد أضل الشيطان الملائكة بمخاتلاته ، وهكذا كان دائما يتقدم في عمله بين الناس وسيظل على سياسته هذه إلى النهاية ، فلو أنه أعلن على الملأ أنه يحارب الله وشريعته لكان الناس يتحذرون ، ولكنه يتنكر ويمزج الحق بالضلال . إن أخطر الأكاذيب هي تلك التي يخالطها الحق ، وبهذه الوسيلة يقبل الناس الضلالات التي تأسر النفوس وتدمرها ، وبنفس هذه الطريقة يحمل الشيطان العالم معه ، ولكن سيأتي اليوم الذي سيضع نهاية لانتصاره .AA 295.1

    إن معاملات الله للعصيان ستكون نتيجتها كشف كل العمل الذي ظل يعمل طويلا في الخفاء تحت طي الكتمان ، وأن نتائج حكم الشطيان وثمار إغفال الوصايا الإلهية وطرحها جانبا ستكشف أمام أنظار كل الخلائق العاقلة ، وستزكى لشريعة الله تماما وسيرى بأن كل معاملات الله كان القصد منها خير شعبه الأبدي وخير كل العوالم التي خلقها . والشيطان نفسه سيعترف على مرأى ومسمع كل سكان الكون بعدالة حكم الله وعدالة شريعته .AA 295.2

    ولن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي فيه يقوم الله ليبرر سلطانه المهان ( لأنه هوذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب إثم سكان الأرض فيهم ) (إشعياء 26 : 21) ( ومن يحتمل يوم مجيئه ؟ ومن يثبت عن ظهوره ؟ ) (ملاخي 3 : 2) إن بني إسرائيل بسبب إثمهم منعوا من الاقتراب إلى الجبل حين كان مزمعا أن ينزل عليه ليعلن شريعته لئلا يهلكوا بنار مجد حضوره ، فإذا كانت مظاهر قدرته هذه ميزت المكان المختار لإعلان شريعة الله فكم يكون كرسي قضائه رهيبا حين يجيء لينفذ أحكام تلك الشرائع المقدسة ! وكيف يستطيع أولئك الذين داسوا سلطانه ادن يحتملوا مجده في ذلك اليوم العظيم يوم الجزاء الأخير ؟ إن مخاوف سيناء صورت للشعب مناظر يوم الدينونة ، وإن صوت البوق دعا إسرائيل لملاقاة الله ، وصوت رئيس الملائكة وبوق الله سيدعو الأحياء والأموت من كل الأرض للمثول أمام ديانهم . إن الآب والابن ، تحف بهما جماهير الملائكة ، كانا حاضرين على الجبل ، وفي يوم الدينونة العظيم سيأتي المسيح ( في مجد أبيه مع ملائكته ) (متى 16 : 27) . حيئنذ سيجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب .AA 295.3

    وحين أعلن حضور الله على جبل سيناء كان مجد الرب كنار آكلة أمام عيون كل إسرائيل ، ولكن حين يجيء المسيح في مجده مع ملائكته القديسين فكل الأرض ستكون متقدة بنار حضوره الرهيب ( يأتي إلهنا ولا يصمت . نار قدامه تأكل ، وحوله عاصف جدا . يدعو السماوات من فوق ، والأرض إلى مداينة شعبه ) (مزمور 50 : 3 ، 4) إن نهرا من نار سيخرج من أمامه وستذيب النار العناصر بحرارة ملتهبة ، وستحترق الأرض والمصنوعات التي فيها ( عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته ، في نار لهيب ، معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله ، والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح ) (2 تسالونيكي 1 : 7 : 8) .AA 296.1

    منذ خلق الإنسان لم يرى قط إعلان قدرة الله كما حدث حين أعلنت الشريعة من سيناء . ( الأرض ارتعدت ، السماوات أيضا قطرت أمام وجه الله . سينا نفسه من وجه الله إله إسرائيل ) (مزمور 68 : 8) وفي وسط أرهب انتقاضات الطبيعة سمع صوت من السحابة كصوت بوق ، وكان الجبل يرتجف من أسفله إلى قمته . أما جموع إسرائيل الذين كانوا شاحبي الوجوه ومرتعبين من هول الخوف فقد انطرحوا بوجوههم على الأرض . إن ذلك الذي صوته زعزع الأرض قد أعلن قائلا : ( إني مرة أيضا أزلزل لا الأرض فقط بل السماء أيضا ) (عبرانيين 12 : 26) والكتاب يقول : ( الرب من العلاء يزمجر ، ومن مسكن قدسه يطلق صوته ، يزأر زئيرا على مسكنه ) ( فترجف السماء والأرض ) (إرميا 25 : 30 ، يوئيل 3 : 16) وفي يوم ذلك المجيء العظيم تهرب السماء ( كدرج ملتف ) (رؤيا 6 : 14) وكل جبل وجزيرة سيتزحزحان من موضعهما ( ترنحت الأرض ترنحا كالسكران ، وتدلدلت كالعرزال ، وثفل عليها ذنبها ، فسقطت ولا تعود تقوم ) (إشعياء 24 : 20) .AA 296.2

    ( لذلك ترتخي كل الأيادي ( ويتحول كل وجه ( إلى صفرة ( )ويذوب كل قلب إنسان فيرتاعون . تأخذهم أوجاع ومخاض( يقول الرب : ( أعاقب المسكونة على شرها ( ) وأبطل تعظم المستكبرين وأضع تجبر العتاة ( (إشعياء 13 : 7 ، 8 ، 11 ، 13 ، إرميا 30 : 6) .AA 296.3

    وحين أتى موسى من حضرة الله في الجبل حيث أخذ لوحي الشهادة لم يستطع بنو إسرائيل المذنوبين احتمال النور المجيد الذي كان يشع من وجهه ، فكم بالحري لا يستطيع العصاة أن يشخصوا في وجه ابن الله حين يظهر في مجد أبيه يحف به كل الجند السماويين ليصنع دينونة على من قد تعدوا شريعته ورفضوا كفارته . فأولئك الذين استخفوا بشريعة الله وداسوا دم المسيح تحت أقدامهم ( وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء .. أخفوا أنفسهم من المغاير وفي صخور الجبال ، وهم يقولون للجبال والصخور : اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف . لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم . ومن يستطيع الوقوف ؟ ) (رؤيا 6 : 15 — 17) ( في ذلك اليوم يطرح الإنسان أوثانه الفضية وأوثانه الذهبية .. للجرذان والخفافيش ، ليدخل في نقر الصخور وفي شقوق المعاقل ، من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته عند قيامه ليرعب الأرض ) (إشعياء 2 : 20 ، 21) .AA 296.4

    حيئنذ سيرى ان تمرد الشطيان على الله قد انتهى بالهلاك له ولكل من اختاروا لأن يكونوا رعايا له . لقد أبان للناس أن التعدي ينتج عنه خير جزيل ، ولكن ( لأن أجرة الخطية هي موت ) (رومية 6 : 23) ( هوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور ، وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشا ، ويحرقهم اليوم الآتي ، قال رب الجنود ، فلا يبقي لهم أصلا ولا فرعا ) (ملاخي 4 : 1) إن الشطيان الذي هو أصل كل خطية ، وكل فاعلي الشر الذين هم أغصانه سيستأصلون كلية . وستتلاشى الخطية وكل ما نتج عنها من ويل ودمار . يقول المرنم : ( أهلكت الشرير ، محوت اسمهم إلى الدهر والأبد . العدو تم خرابه إلى الأبد ) (مزمور 9 : 5 ، 6) .AA 297.1

    ولكن في وسط عاصفة غضب الله لن يكون هناك ما يدعوا إلى خوف أولاد ( . . .الرب ملجأ لشعبه ، وحصن لنبي إسرائيل ( (يوئيل 3 : 16) فاليوم الذي يجيء بالرعب والهلاك لمن قد تعدوا شريعة الله سيجيء للمطيعين ( بفرح لا ينطق به ومجيد ) (1 بطرس 1 : 8) ، والرب يقول : ( اجمعوا إليّ أتقيائي ، القاطعين عهدي على ذبيحة » وتخبر السماوات بعدله ، لأن الله هو الديان ( (مزمور 50 : 5 ، 6) .AA 297.2

    ( فتعودون وتميزون بين الصديق والشرير ، بين من يعبد الله ومن لا يعبده ) (ملاخي 3 : 18) )اسمعوا لي يا عارفي البر ، الشعب الذي شريعتي في قلبه ) )هأنذا قد أخذت من يدك كأس الترنح .. لا تعودين تشربينها في ما بعد . أنا أنا هو معزيكم) (إشعياء 51 : 7 ، 22 ،12) . ( فإن الجبال تزول ، والآكام تتزعزع ، أما إحساني فلا يزول عنك ، وعهد سلامي لا يتزعزع ، قال راحمك الرب ) (إشعياء 54 : 10) .AA 297.3

    وسيكون من نتائج تدبير الخلاص العظيم أن العالم يستعيد رضى الله كاملا ، فيستعيد كل ما قد خسر بسبب الخطية . وليس الإنسان وحده بل الأرض أيضا ستعتق لتكون الموطن الأبدي للطائعين . لقد ظل الشيطان يحارب مدة ستة آلاف سنة ليملك على العالم . والآن قد تم غرض الله الأصلي من خلقه للعالم ( أما قديسو العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين ) (دانيال 7 : 18) .AA 298.1

    ( من مشرق الشمس إلى مغربها اسم الرب مسبح ) (مزمور 113 : 3) ، ( في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده ) ( ويكون الرب ملكا على كل الأرض ) (زكريا 14 : 9) . يقول الكتاب : ( إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السماوات ) ( كل وصاياه أمينة . ثابتة مدى الدهر والأبد ) (مزمور 119 : 89 ، 111 : 7 ، 8) إن الوصايا المقدسة التي أبغضها الشيطان وحاول أن يلاشيها سيكرمها سكان المسكونة الأبرار . ( لأنه كما أن الارض تخرج نباتها ، وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها ، وهكذا السيد الرب ينبت برا وتسبيحا أمام كل الأمم ) (إشعياء 61 :11).AA 298.2

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents