Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الاباء والانبياء - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل الثالث والسبعون— سنو حياة داود الأخيرة

    إن سقوط أبشالوم لم يأت بالسلام إلى إسرائيل في الحال . ذلك أن قسماً كبيراً من الأمة اتحدوا في فتنة على أن داود ينبغي ألا يعود إلى عاصمته أو يسترد سلطانه بجون دعوة من الأسباط . وفي الارتباك الذي حدث عقب هزيمة أبشالوم لم يكن هنالك عمل سريع حاسم لإعادة الملك . ولما شرع رجال يهوذا أخيراً في إرجاع داود ثار حسد الأسباط الأخرى وتبعت ذلك ثورة مضادة . ولكن هذه الثورة سرعان ما قمعت فعاد السلام إلى إسرائيل .AA 669.1

    إن تاريخ داود يقدم لنا شهادة من أعظم الشهادات المؤثرة وأقواها على المخاطر التي تهدد النفس عن طريق القوة والغنى والكرامة العالمية — الأشياء التي يشتهيها الناس من كل قلوبهم . وقليلون هم الذين جازوا في اختبارات أكثر ملاءمة مما حدث لداود ، لإعدادهم لمثل هذا الاختبار . إن حياة داود الأولى كراعي غنم بما فيها من دروس الوداعة والجد في العمل والصبر عليه ، ورعايته الرقيقة لقطعانه ، واشتراكه مع الطبيعة في عزلته بين التلال ، حيث نمت عبقريته في الموسيقى والشعر ، وتوجيه أفكاره إلى الخالق ، والتدريب الطويل لحياته في البرية وتدريب شجاعته وجلده وصبره وإيمانه بالله — كل هذا كان الرب قد عينها لإعداده للتربع على عرش إسرائيل . كان داود قد تمتع باختبارات ثمينة لمحبة الله ، كما وهبه الله روحه بغزارة . وفي تارخ شاول رأى تفاهة الحكمة البشرية المجردة وعدم جدواها ، ومع ذلك فإن النجاح والكرامة العالميين أضعفا أخلاق داود حتى غلبه المجرب مراراً .AA 669.2

    ثم أن اختلاط داود بالشعوب الوثنية جعله يصبو إلى التشبه بهم في عاداتهم القومية ، وأضرم في قلبه طموحا إلى العظمة الدنيوية . إن إسرائيل ، كشعب الرب ، كان مؤهلاً للكرامة ، ولكن عندما تفشت فيهم الكبرياء والثقة بالنفس لم يقنع إسرائيل بهذه الكرامة والرفعة . بل كان اهتمامهم منصرفاً بالأحرى إلى مركزهم بين الشعوب الأخرى . هذه الروح دفعت التجربة إليهم . وداود إذ جعل نصب عينيه توسيع مدى فتوحاته بين الأمم الغريبة ، عول على زيادة جيشه بأن فرض الخدمة العسكرية على كل من قد وصلوا إلى السن القانونية . ولكي يحقق هذه الغاية صار من الضروري إحصاء السكان . إن الكبرياء والطموح هنا اللذان دفعا الملك إلى هذا العمل . وإحصاء الشعب هذا سيبين الفرق بين ضعف المملكة عندما اعتلى داود العرش وقوتها ونجاحها تحت سلطانه . وهذا كان لا بد من أن يعمل على زيادة نمو ما قد سبق فظهر في الملك والشعب من ثقة عظيمة بالنفس . والكتاب يقول : ( ووقف الشيطان ضد إسرائيل ، وأغوى داود ليحصي إسرائيل ) (انظر أخبار الأيام الأول 21) إن نجاح إسرائيل تحت حكم داود ، كان يعزى إلى بركة الله لا إلى مقدرة الملك ولا إلى قوة جيوشه . ومن زيادة الموارد الحربية في المملكة جعل الأمم المجاورة تعتقد أن إسرائيل يثق بجيوشه أكثر ما سثق بقدرة إلهه .AA 669.3

    ومع أن شعب إسرائيل كانوا يفخرون بعظمتهم القومية فإنهم لم ينظروا بعين الرضى إلى خطة داود في تعميم الخدمة العسكرية إلى هذا الحد الكبير . إن ذلك الإحصاء المقترح أحدث كثيراً من التذمر ، ونتج عن ذلك أنه رؤي من الضروري استخدام الضباط العسكريين بدلا من الكهنة والقضاة الذين سبق لهم إحصاء الشعب . إن الغاية من هذا الإجراء كانت مناقضة مباشرة لمبادئ الحكومة التي يرأسها الله (الثيوقراطية) وحتى يوآب نفسه الذي كان قبلا رجلا مستهترا احتج قائلاً : ( ليزد الرب على شعبه أمثالهم مئة ضعف . أليسوا جميعا يا سيدي الملك عبيدا لسيدي ؟ لماذا يطلب هذا سيدي ؟ لماذا يكون سبب إثم إسرائيل ؟» فاشتد كلام الملك على يوآب . فخرج يوآب وطاف كل إسرائيل ثم جاء إلى أورشليم ( وقبل أن يتم الإحصاء تبكت داود على خطيته ، وإذ شعر بذنبه ( قال داود لله : لقد أخطأت جدا حيث عملت هذا الأمر . والآن أزل إثم عبدك لأني سفهت جداً ) وفي الصباح التالي جيء إلى داود برسالة على يد جاد النبي تقول : )هكذا قال الرب : ثلاثة أنا عارض عليك فاختر لنفسك واحداً منها فأفعله بك. فجاء إلى داود وقال له : هكذا قال الرب : اقبل لنفسك : إما ثلاث سنين جوع ، أو ثلاثة أشهر هلاك أمام مضايقيك وسيف أعدائك يدركك ، أو ثلاثة أيام يكون فيها سيف الرب ووبأ في الأرض ، وملاك الرب يعثو في كل تخوم إسرائيل . فانظر الآن ماذا أرد جوابا لمرسلي ) .AA 670.1

    فكان جواب الملك هكذا : ( قد ضاق بي الأمر جداً . دعني أسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ، ولا أسقط في يد إنسان ( .AA 670.2

    فضربت الأرض بالوبأ الذي أهلك من إسرائيل سبعين ألفا . ولم يكن الوبأ قد وصل إلى أورشليم بعد : ( ورفع داود عينيه فرأى ملاك الرب واقفا بين الأرض والسماء ، وسيفه مسلول بيده وممدود على أورشليم . فسقط داود والشيوخ على وجوههم مكتسين بالمسوح ) فتوسل الملك لأجل إسرائيل قائلاً : ( ألست أنا هو الذي أمر بإحصاء الشعب ؟ وأنا هو الذي أخطأ وأساء ، وأما هؤلاء الخراف فماذا عملوا ؟ فأيها الرب إلهي لتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي لا على شعبك لضربهم ) .AA 671.1

    إن عمل ذلك الإحصاء أحدث سخطا بين الشعب ، ومع ذلك فقد كانوا يحبون نفس الخطايا التي دفعت داود إلى ذلك العمل . وكما أن الرب بسبب خطية أبشالوم افتقد داود بالقصاص ، فكذلك بسبب خطايا داود عاقب إسرائيل على خطاياهم .AA 671.2

    إن الملاك المهلك وقف خارج أورشليم إذ نزل على جبل المريا ( في بيدر أرنان اليبوسي ) فذهب داود بناء على إرشادات النبي إلى الجبل حيث بنى مذبحا للرب ( وأصعد محرقات وذبائح سلامة ، ودعا الرب فأجابه بنار من السماء على مذبح المحرقة ) (أخبار الأيام الأول 21 : 26) ( واستجاب الرب من أجل الأرض ، فكفّت الضربة عن إسرائيل ) (2 صموئيل 24 : 25) .AA 671.3

    إن البقعة التي بنى عليها المذبح ، والتي منذ ذلك الوقت فصاعدا اعتبرت أرضاً مقدسة ، هذه البقعة عرضها أرنان على الملك كهبة ، ولكن الملك أبى قبولها على أنها هبة قائلاً : ( لا ! بل شراء أشتريه بفضة كاملة ، لأني لا آخذ ما لك للرب فأصعد محرقة مجانية . ودفع داود لأرنان عن المكان ذهبا وزنه ست مئة شاقل ) إن هذا المكان الذي فيه بنى إبراهيم المذبح ، ليقدم عليه ابنه ذبيحة ، والذي تقدس الآن بهذا الخلاص العظيم كان هو البقعة التي اختيرت فيما بعد مكانا للهيكل الذي بناه سليمان .AA 671.4

    ولكن كان لا بد من أن تتجمع سحابة قاتمة أخرى في سماء حياة داود في سنيه الأخيرة ، حيث بلغ السبعين من العمر آنئذ . فالصعوبات التي لاقاها ، وتعرضه الدائم للخطر في بكور حياته ، وحروبه الكثيرة ، والهموم والضيقات التي اكتنفته فيما بعد — كل هذه امتصت عصارة حياته . ومع أن عقله ظل محتفظا بصفاته وقوته فإن ضعفه وشيخوخته إذ هما يميلان بالشخص إلى الاعتكاف ، قد حالا بينه وبين الإشراف على ما كان يجري في المملكة ، ومرة أخرى نسبت الثورة تحت ظل العرش ، كما ظهرت أيضا ثمار إفراط داود في حبه لأولاده . والذي كان يطمع في العرش في هذه المرة هو أدونيا الذي كان ( جميل الصورة جداً ) في شخصه وهيئته ، ولكنه كان طائشا وعادم المبادئ . ففي شبابه لم يكن يخضع إلا لقليل من الردع ، إذ ( لم يغضبه أبوه قط ، قائلاُ : لماذا فعلت هكذا ؟ ) (انظر 1 ملوك 1) وها هو الآن يتمرد على سلطان الله الذي كان قد انتخب سليمان ليجلس على العرش . إن سليمان بفضل مواهبه الطبيعية وتدينه كان أكثر لياقة من أخيه الأكبر لأن يكون ملكاً على إسرائيل . ومع كون اختيار الله قد أشير إليه بكل وضوح فإن أدونيا لم يعدم أنصاراً يؤيدونه . ويوآب ، مع أنه كان قد ارتكب جرائم كثيرة ، فقد كان قبل ذلك ثابتا على ولائه للجالس على العرش ، ولكنه الآن انضم إلى المتآمرين على سليمان مثلما فعل أيضا أبياثار الكاهن .AA 671.5

    لقد نضج العصيان واكتمل ، حيث اجتمع المتآمرون حول وليمة عظيمة في مكان خارج المدينة لينادوا بأدونيا ملكا ، ولكنهم في ذلك الحين أوقفوا عند حدهم ، بواسطة عمل سريع حاسم ، قامت به جماعة قليلة على رأسهم صادوق الكاهن وناثان النبي وبثشبع أم سليمان ، الذين بسطوا المسألة على حقيقتها لدى الملك داود وذكروه باختيار الرب لسليمان ليجلس على العرش ، وفي الحال تنازل الملك عن العرش لسليمان الذي مسح في الحال ونودي به ملكاً . فسحقت المؤامرة في مهدها ، وجلب متزعموها على أنفسهم الموت ، وقد أبقي على حياة أبياثار إكراما لوظيفته وولائه السابق لداود ، ولكنه عزل عن وظيفته كرئيس للكهنة وأعطيت وظيفته لصادوق ونسله ، كما أبقى على حياة يوآب وأدونيا إلى حين ، ولكن بعد موت داود نفذ فيهما حكم الموت جزاء لهما على جريمتهما . هذا ، وإن تنفيذ حكم الموت في ابن داود أكمل الحكم بالأربعة أضعاف الذي برهن على كراهية الله لخطية الأب .AA 672.1

    كان من أحب الخطط إلى قلب داود منذ بدء سني حكمه أن يقيم هيكلا للرب . ولكن مع أنه لم يسمح له يتنفيذ غرضه هذا فإن غيرته واهتمامه لم يفترا من هذه الناحية . فلقد جمع كثيراً من المواد الثمينة — كالذهب والفضة وحجارة الجزع وغيرها من الأحجار المختلفة الألوان ، والرخام وأغلى أنواع الخشب . والآن فكل هذه الكنوز الغالية التي قد جمعها ينبغي له أن يسلمها لقوم آخرين ، لأن أيادي أخرى ينبغي أن تبني بيتا يوضع فيه التابوت رمز حضور الله .AA 672.2

    وإذ رأى الملك أن نهايته قد دنت استدعى رؤساء إسرائيل مع ممثلين من كل أنحاء المملكة ليتسلموا الميراث الموجود في عهدته . فرغب في أن يسلم إليهم وصية احتضاره ويحصل منهم على الموافقة وعلى المعونة في ذلك العمل العظيم الذي ينبغي إنجازه . ونظرا لضعف الملك الجسماني لم يكن من المتوقع أن يحضر عملية نقل المسؤولية تلك بنفسه . ولكن الوحي الإلهي نزل عليه ، وبقوة وحماسة فوق ما كان منتظرا منه ، استطاع أن يخاطب شعبه لآخر مرة . فأخبرهم بأنه كان يشتاق إلى بناء الهيكل ، إلا أن الرب قد أمر أن يضطلع ابنه سليمان بهذا العمل ، كما أكد الله قائلاً : ( إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري ، لأني اخترته لي ابنا ، وأنا أكون له أبا ، وأثبت مملكته إلى الأبد إذا تشدد للعمل حسب وصاياي وأحكامي كهذا اليوم ) ثم قال داود : ( والآن في أعين كل إسرائيل محفل الرب ، وفي سماع إلهنا ، احفظوا واطلبوا جميع وصايا الرب إلهكم لكي ترثوا الأرض الجيدة وتورثوها لأولادكم بعدكم إلى الأبد( (انظر أخبار الأيام الأول 28 ، 29) .AA 673.1

    لقد تعلم داود بالختبار وعورة طريق من يبتعدون عن الله . وأحس بدينونة الشريعة الإلهية التي قد نقضها وتعداها ، فحصد ثمار المعصية ، وقد كانت نفسه متأثرة وكان يتوق لأن يرى قادة إسرائيل أمناء لله ، وأن يطيع ابنه سليمان شريعة الله ، معرضاً عن كل الخطايا التي قد أضعفت سلطان أبيه ومررت حياته وجلبت العار على اسم الله . وقد عرف داود أن الأمر يتطلب اتضاع القلب والثقة الدائمة بالله والسهر المتواصل للثبات أمام التجارب التي تكتنف ابنه سليمان في مركزه السامي ، لأن أمثاله من الرجال المشهورين ذوي المكانة الرفيعة هم الهدف الخاص الذي يصوب إليه الشيطان سهامه . ثم إذ اتجه إلى ابنه الذي سبق أن اعترف هو بأنه سيكون خليفته على العرش قال له : ( وأنت يا سليمان ابني ، اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة ، لأن الرب يفحص جميع القلوب ، ويفهم كل تصورات الأفكار . فإذا طللبته يوجد منك ، وإذا تركته يرفضك إلى الأبد . انظر الآن لأن الرب قد اختارك لتبني بيتا للمقدس ، فتشدد واعمل ) .AA 673.2

    ثم أعطى داود لسليمان تعليمات دقيقة لبناء الهيكل مع نماذج وأمثلة لكل جزء ، وكل التعليمات الخاصة بالخدمة ، كما قد أعلن له بوحي إلهي . كان سليمان لا يزال غضا ، وقد تهيب مع تلك المسؤوليات الهائلة التي ستثقل عليه في بناء الهيكل وفي حكم شعب الله ، فقال داود لابنه : ( تشدد وتشدد واعمل . لا تخف ولا ترتعب ، لأن الرب الإله إلهي معك . لا يخذلك ولا يتركك ) .AA 673.3

    وكذلك أوصي داود الشعب قائلاً : ( إن سليمان ابني الذي وحده اختاره الله ، إنما هو صغير وغض ، والعمل عظيم لأن الهيكل ليس لإنسان بل للرب الإله ) ثم قال : ( وأنا بكل قوتي هيأت لبيت إلهي ) . وجعل داود يعدد الأشياء التي جمعها ، وقال بعد ذلك : ( لأني قد سررت ببيت إلهي ، لي خاصة من ذهب وفضة قد دفعتها لبيت إلهي فوق جميع ما هيأته لبيت القدس : ثلاثة آلاف وزنة من ذهب أوفير ، وسبعة آلاف وزنة فضة مصفاة ، لأجل تغشية حيطان البيوت ) . ثم سأل جمهور المجتمعين الذين قد حضروا عطاياهم السخية ، قائلاً : ( فمن ينتدب اليوم لملء يده للرب ؟ ) .AA 674.1

    وسرعان ما استجاب أولئك المجتمعون للنداء ( فانتدب رؤساء الآباء ورؤساء أسباط إسرائيل ورؤساء الألوف والمئات ورؤساء أشغال الملك ، وأعطوا لخدمة بيت الله خمسة آلاف وزنة وعشرة آلاف درهم من الذهب ، وعشرة آلاف وزنة من الفضة ، وثمانية عشر ألف من النحاس ، ومئة ألف وزنة من الحديد . ومن وجد عنده حجارة أعطاها لخزينة بيت الرب ... وفرح الشعب بانتدابهم ، لأنهم بقلب كامل انتدبوا للرب . وداود الملك أيضا فرح فرحا عظيما .AA 674.2

    ( وبارك داود الرب أمام كل الجماعة ، وقال داود : « مبارك أنت أيها الرب إله إسرائيل أبينا من الأزل وإلى الأبد . لك يا رب العظمة والجبروت والجلال والبهاء والمجد ، لأن لك كل ما في السماء والأرض . لك يا رب الملك ، وقد ارتفعت رأساً على الجميع . والغنى والكرامة من لدنك ، وأنت تتسلط على الجميع ، وبيدك القوة والجبروت ، وبيدك تعظيم وتشديد الجميع ، والآن ، يا إلهنا نحمدك ونسبح اسمك الجليل . ولكن من أنا ، ومن هو شعبي حتى نستطيع أن ننتدب هكذا ؟ لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك . لأننا نحن غرباء أمامك ، ونزلاء مثل كل آبائنا . أيامنا كالظل على الأرض وليس رجاء . أيها الرب إلهنا ، كل هذه الثروة التي هيأناها لنبني لك بيتا لاسم قدسك ، إنما هي من يدك ، ولك الكل . وقد علمت يا إلهي أنك أنت تمتحن القلوب وتسر بالاستقامة . ) أنا باستقامة قلبي انتدبت بكل هذه ، والآن شعبك الموجود هنا رأيته بفرح ينتدب لك . يا رب إله إبراهيم وإسحاق وإسرايل آبائنا ، احفظ هذه إلى الأبد في تصور أفكار قلوب شعبك ، وأعد قلوبهم نحوك . وأما سليمان ابني فأعطه قلبا كاملا ليحفظ وصاياك ، شهاداتك وفرائضك ، وليعمل الجميع ، وليبني الهيكل الذي هيأت له . ثم قال داود لكل الجماعة : «باركوا الرب إلهكم ». فبارك كل الجماعة الرب إله آبائهم ، وخروا وسجدوا ( .AA 674.3

    إن الملك بكل اهتمام قد جمع المواد الغنية لبناء الهيكل وتزيينه ، ثم كتب التسابيح المجيدة التي سيرن صداها في جوانب الهيكل في السنين التالية . وها قلبه الآن يمتلئ فرحا بالله عندما استجاب رؤساء الآباء ورؤساء إسرائيل بكل نبل لدعوته وقدموا أنفسهم للعمل المهم الذي أمامهم . وإذ قدموا خدماتهم كانوا يتوقون إلى عمل ما هو أكثر ، فزادوا من تقدماتهم وقدموا أموالهم الخاصة لتوضع في الخزانة . ثم أحس داود إحساسا عميقا بعدم استحقاقه وهو جمع المواد لبيت الله . وإن تعبير رؤساء المملكة واستجابتهم السريعة ، حيث أنهم بقلوب منتدبة كرسوا أموالهم للرب وكرسوا أنفسهم لخدمته هذا ملأ قلب داود فرحا . ولكن الله وحده هو الذي منح هذا الميل لشعبه ، فينبغي أن يتمجد هو لا الإنسان . إنه هو الذي منح الشغب غنى الأرض ، وروحه هو الذي جعلهم ينتدبون ذخائرهم إلى الهيكل . لقد كان كل شيء من الرب ، فلولا أن محبته كانت ترف على قلوب الشعب لذهبت كل جهود الملك هباء وما كان الهيكل يبنى إطلاقا .AA 675.1

    إن كل ما يتناوله الإنسان من غنى سخاء الله لم يزل ملكا لله . إن كل الأشياء الغالية والجميلة في الأرض الممنوحة من الله توضع بين أيدي الناس لاختبارهم — لامتحان عمق محبتهم له وتقديرهم لإحساناته . وسواء أكانت هذه الذخائر هي ذخائر الثروة أو الذكاء ، ينبغي أن توضع بكل رضى تقدمة عند قدمي يسوع . وعلى المعطي أن يقول حينئذ مع داود : ( منك الجميع ومن يدك أعطيناك ) .AA 675.2

    وعندما أحس داود بالموت يدنو منه ، فإن العبء الذي أثقل قلبه كان لأجل سليمان ، ولأجل مملكة إسرائيل التي يتوقف نجاحها ومناعتها وازدهارها بالأكثر على ولاء الملك لله ، فقد ( أوصى سليمان ابنه قائلاً : أنا ذاهب في طريق الأرض كلها ، فتشدد وكن رجلا . احفظ شعائر الرب إلهك ، إذ تسير في طرقه ، وتحفظ فرائضه ، وصاياه وأحكامه وشهاداته ... لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت . لكي يقيم الرب كلامه الذي تكلم به عني قائلاً : إذا حفظ بنوك طريقهم وسلكوا أمامي بالأمانة من كل قلوبهم وكل أنفسهم ، قال لا يعدم لك رجل عن كرسي إسرائيل ) (1 ملوك 2 : 1 — 4) .AA 675.3

    إن آخر أقوال كان أغنية — أغنية ثقة ذات مبدأ سام جدا وإيمان خالد : ( وحي داود بن يسى ، ووحي الرجل القائم في العلا ، مسيح إله يعقول ، ومرنم إسرائيل الحلو : روح الرب تكلم ... إذا تسلط على الناس بار يتسلك بخوف الله ، وكنور الصباح إذا أشرقت الشمس . كشعب من الأرض في صباح صحو مضيء غب المطر . أليس هكذا بيتي عند الله ؟ لأنه وضع لي عهدا أبديا متقنا في كل شيء ومحفوظا ، أفلا يثبت كل خلاصي وكل مسرتي ؟ ) (2 صموئيل 23 : 1 — 5) .AA 676.1

    لئن كان سقوط داود عظيما فإن توبته كانت عميقة ومحبته ملتهبة وإيمانه قوياً . لقد غفر له كثير ولذلك فقد أحب كثيرا (لوقا 7 : 48) .AA 676.2

    إن مزامير داود تتناول سلسلة الاختبارات كلها ، فمن أعماق الشعور بالخطية وحكم الإنسان على نفسه ، إلى ذروة الإيمان والشركة السامية مع الله . إن تاريخ حياته يعلن أن الخطية لا تجلب غير العار والويل . ولكنه يعلن أيضاً أن محبة الله يمكنها الوصول إلى أبعد الأعماق ، وأن الإيمان يرفع النفس التائبة إلى حيث تشارك أبناء الله في بنوتهم . ومن بين كل التأكيدات التي تشتمل عليها كلمة الله ، نجد أن تاريخ حياة داود هو من أقوى الشهادات على أمانة الله وعدالته ورحمته القائمة على عهده .AA 676.3

    الإنسان ( يبرح كالظل ولا يقف ) ، ( وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد ) ، ( أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه ، وعدله على بني البنين ، لحافظي عهده وذاكري وصاياه ليعملوها ) (أيوب 14 : 2 ، إشعياء 40 : 8 ، مزمور 103 : 17 ، 18) .AA 676.4

    ( كل ما يعمله الله أنه يكون إلى الأبد ) (جامعة 3 : 14) .AA 676.5

    ما أمجد المواعيد المقدمة لداود وبيته ، تلك المواعيد التي تتجه إلى الأمام إلى الأجيال الدهرية والتي تتم بكمالها في المسيح . فلقد أعلن الرب ( حلفت لداود عبدي : ... الذي تثبت يدي معه . أيضا ذراعي تشدده ... أما أمانتي ورحمتي فمعه ، وباسمي ينتصب قرنه . وأجعل على البحر يده ، وعلى الأنهار يمينه . هو يدعوني : أبي أنت ، إلهي وصخرة خلاصي . أنا أيضا أجعله بكرا ، أعلى من ملوك الأرض . إلى الدهر أحفظ له رحمتي . وعهدي يثبت له ) (مزمور 89 : 3 — 28) ( وأجعل إلى الأبد نسله ، وكرسيه مثل أيام السماوات ) (مزمور 89 : 29) ( يقضي لمساكين الشعب . يخلّص بني البائسين ، ويسحق الظالم . يخشونك ما دامت الشمس ، وقدام القمر إلى دور فدور ... يشرق في أيامه الصديق ، وكثيرة السلام إلى أن يضمحل القمر . ويملك من البحر إلى البحر ، ومن النهر إلى أقاضي الأرض ) . ( يكون اسمه إلى الدهر . قدام الشمس يمتد اسمه ، ويتباركون به . كل أمم الأرض يطوبونه ) (مزمور 72 : 4 — 8 ، 17) .AA 676.6

    ( لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا ، وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيبا ، مشيرا ، إلها قديرا ، أبا أبديا ، رئيس السلام ) ، ( هذا يكون عظيما ، وابن العلي يدعى ، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ، ولا يكون لملكه نهاية ) (إشعياء 9 : 6 ، لوقا 1 : 32 ، 33) .AA 677.1

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents