Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
أعما لالرُّسل - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل الثالث والاربعون

    في روما

    (يعتمد هذا الفصل على ماورد في أعمال28 : 11- 31 والرسالى الى فليمون )

    عندما اصبح السفر بالبحر مأمونا ، بدأ قائد المئة وأسراه رحلتهم الى روما .وكانت هناك سفينة اسكندرية موسومة بعلامة «الجوزاء» قد شتت في مليطة في طريقها الى الغرب ، فنزل فيها أولئك المسافرون. ومع ان بعض الرياح المضادة قد اعاقتهم بعض الوقت ، فقد تمت الرحلة بسلام والقت السفينة مراسيها في ميناء بوطيولي الجميلعلى شاطى ايطاليا .AR 405.1

    وكان يوجد في هذا المكان قلة من المسيحين ، فتوسلوا الى الرسول ان يبقى بينهم سبعة ايام وقد منحهم قائد المئة هذا الامتياز.ان مسيحيو ايطاليا منذ وصلتهم رسالة بولس الى اهل رومية كانوا ينتظرو بشوق ان يزورهم الرسول . ولم يكونوا يظنون انه سيأتي كأسير ، الا أن آلآمه حببته الى قلوبهماكثر . واذ كانت المسابقة بوطيولي وروما لاتزيد عن مائة واربعين ميلا ، وكان الاتصال دائما ومستمرا بين هذ الميناء وبين العاصمة ، فقد اعلم المسيحيون في روما ان بولس كان في طريقه اليهم وذهب بعض منهم لاستقباله والترحيب به .AR 405.2

    ففي اليوم الثامنبعد نزولهم في الميناء، سافر قائد المئة واسراه الى روما . وقد منح يوليوس للرسول كل معروف استطاع ان يقدمه له بكل سرور ورضى . ولكنه لم يستطع ان يغيرحالته كأسير ا وان يفك السلسلة التي كان موثقا بها الى الجندي الذي كان يحرسه. فبقلب مثقل بالحزنسار بولس قدما في زيارته التي طال انتظارها الى عاصمة العالم. ماكان ابعد الفرق بين هذه الظروف والظروف التي كان ينتظرهافكيف يمكنه ، وهو مقيدوموضوم بالعار ان يكرز بالانجيل ؟ إن آماله في ربح نفوس كثيرة للحق في روما ، بدا ومأنها قد حكم عليها بالخيبة والفشل .AR 406.1

    اخيرا يصل المسافرون الى فورن ابيوس التي تبعد عن روما اربعين ميلا . فاذ يشقون لأنفسهم طريقا فيوسط الجموع التي تزحم الطريق العالم العظيم ، ينظر العابرون الى ذلك الشيخ الذي جلل الشيب رأسه والمقيد مع جماعة من المجرمين القساة ، نظرات تنم عن الاحتقار ، ويصير موضوع هزء الكثيرين وسخريتهم.AR 406.2

    وفجأة تسمع صيحة فرح ، ويثب رجل من بين الجمع ويقع على عنق الاسير ويعانقه بدموع وبفرح ، كما يرحب ابن أبيه الذي طال اغترابه . ويتكرر هذا المنظر مرارا اذ ترمقه العيون التي صارت حادة التمييز بطول انتظار اصحابها ولهفتهم ومحبتهم كي يشاهدوه . فكثيرون اذ رأوا ذلك الاسير المكبل بالحديد ، ميزا فيه ذاك الذي كان في كورنثوس وفيلبي وافسس يحدثهم بكلام الحياة .AR 406.3

    واذ يتجمهر اولئك التلاميذ المحبون حول ابيهم في الانجيل ، يتوقف ذلك الجمع كله . ومع ان الجنود يضجرهم ذلك التأخير ، فان قلوبهم لاتطاوعهم لمنع ذلك اللقاء السعيد ، لانهم هم ايضا قد تعلموا ان يكرموا ويقدروا أسيرهم. ففي ذلك الوجه المتعب المجهد ، يرى التلاميذ صورة المسيح . ويؤكدون لبولس انهم لم ينسوه قط ولا كفواعن ان يحبوه ، وانهم مدينون له بالرجاء المفرح الذي ينعش حياتهم ويعطيهم سلاما مع الله . وفي حرارة محبتهم تاقوا ان يحملوه على اعناقهم طول الطريق الى المدينة ، لو اعطي لهم ذلك الامتياز. AR 406.4

    قليلون هم الذين يتحققون من فحوى تلك الكلمات التي سجلها لوقا والقائلة ان بولس لما رلآا اخوته : «شكرا الله وتشجع» ( اعمال28: 15). ففي وسط جماعة المؤمنين الباكين المواسين الذين لم يخجلوا من قيود ، شكر الرسول اللهبصوت عال . وقد انقشعت سحابة الحزن التي غشت روحه . لقد كانت حياته المسيحية سلسلة متواصلةمن التجارب والالام والمفشلات ، ولكنه في تلك الساعة احس بأنه قد كوفئ مكافأة سخية . فسار في طريقه بخطوات ثابتة وقلب فرح متهلل.AR 407.1

    لم يعد يشكوا من الماضي او يخاف من المستقبل . لقد عرف ان وثقا وشدائد تنتظره ، ولكنه عرف ايضا ان عليهان يحرر نفوسا من عبودية ارهببكثيرففرح في آلامه لأجل المسيح. AR 407.2

    وفي روما سلم يوليوس أسراه الى رئيس معسكر الامبراطور . هذا وان التقرير الذي قدمه يوليوس عن بولس وكذلك الرسالة التي بعث بها فستوس ، كانا كفيلين بأن يجعلا رئيس المعسكر يعامل بولس معامة حسنة وكريمة ، وبدلا من ان يلقي به في السجن، اذن له بأن يعيش في بيت استأجره بنفسه . ومع انه كان طول الوقت موثقا الى احد الجنود ، فقد كانت له الحرية بأن يستقبل اصدقاءه ويخدم لأجل نجاح وتقدم ملكوت المسيح. AR 407.3

    ان كثيرين من اليهود الذين كانو قد ابعدو عن روما قبل هذا الوقت بسنين، سمح لهم بالعودةن وهكذا وجد كثيرون منهمفي روما . لهؤلاء قبل غيرهم عول بولس ان يقدم الحقائق الخاصة بشخصه وبعمله ، قبلما تتاح لأعدائه الفرصة لاثارتهم ضده . فبعد وصوله الى رومابثلاثة ايام ، استعدى كبارهم ووجوههم وبطريقة بسيطة صريحة ابان لهم سبب مجيئه الى روما كأسير .AR 407.4

    فقال : «أيها الرجال الاخوة ، مع اني لم افعل شيئا ضد الشعب او عوائد الاباء، اسلمت مقيدامن اورشليم الى ايدي الرومانييين ، الذين لما فحصواكانو يريدون ان يطلقوني ، لأنه لم تكنفي علة واحدة للموت . ولكن لما قاوم اليهود، اضطررت ان ارفع دعواي الى قيصر ، ليس كأن لي شيئا لأشتكي به على امتي . فلهذا السبب طلبتكم لآراكم واكلمكم ، لأني من اجل رجاء اسرائيل موثق بهذه السلسلة» ( اعمال28 / 17 — 20).AR 408.1

    ولم يقل الرسول لهم شيئا عن الاهانات التي قاسها على ايدي اليهو، او عن المؤامراتالمتكررة التي دبروها لاغتياله. وقد امتازت اقواله بالحذر والرفق . انه لم يكن يطلب اهتماما بشخصه او عطفا عليه ، بل اراد الدفاع عن الحق وضمان كرامة الانجيل .AR 408.2

    وجوابا على كلامه قرر سامعوه انهم لم يقبلوا شكايات ضده لا في رسائل عامة ولا خاصة . وان احدا من اليهود الذين قدموا الى روما لم يتهمه بأية جريمة . كما عبروا عن شوقهم العظيم لأن يسمعوا بأنفسهم عن اسباب ايمانه بالمسيح ، قائلين: «لأنه معلوم عندنا من جهة هذا المذهب أنه يقاوم في كل مكان» ( عدد 22).AR 408.3

    وحيث انهمهم انفسهم الذين طلبوا ذلك، فقد طلب منهم ان يعينوا يوما يقدم فيه لهم حقائق الانجيل . وفي الوقت المعين حضر كثيرون: «فطفق يشرح لهم شاهدا بملكوت الله ، ومقنعا اياهم من ناموس موسى والانبياء بأمر يسوع ، من الصبلاح الى المساءء» ( عدد 23). وقد سرد عليهم اختباره الشخصي ، وقدم لهم حججا من اسفار العهد القديمببساطة واخلاص وقوة .AR 408.4

    كما ابان لهم الرسول ان الدين لاينحصر في الطقوس والرسميات او العقائد والنظريات . فلو كان ينحصر في شيئ من هذه لأمكن للانسان ان يدركه بالبحث والاستقصاء ، كما يدرك الأمور الدنيوية . وقد علم بولس ان الدين قوة عمليةمخلصة ومبدأ يأتي بجملته من الله ، واختبار شخصي لقوة الله المجددة للنفس. AR 409.1

    ثم اراهم كيف ان موسى قد وجه انظار اسرائيل الى المسيح بوصفه النبي الذي كان عليهم ان يستمعوا اليه ، وكيف ان جميع الانبياء قد شهدوا عنه بوصفه علاج الله العظيم للخطية ، والسيد المعصوم الذي كان مزمعا ان يحمل خطايا الاثمة. انه لم يحاول تخطئة حفظهم للرسيمات والطقوس ، بل اراهم انهم في حين كانوا يحفظون الخدمات الطقسية بدقة عظيمة ن كاناو يرفضون ذاك الذي كانت كل انظمتهم وطقوسهم ترمز اليه. AR 409.2

    وقد اعلن لهم بولسانه في حالته قبل التجديد عرف المسيح ، لامعرفة شخصية ، بل مجرد معرفة التصور الذي كان وبنو امته يعتزون به حول صفغات المسيا الآتي وعمله . وانه رفض يسوع الناصري كمحتال لأنه لم يحقق هذ الصتور . اما الان فان آراء بولس عن المسيح ورسالته هي اعظم روحانية وامسى مما كانت قبلا لأنه قد اهتدى وتجدد .وقد اكد لهم الرسول انه لم يقدم لهم المسيح حسب الجسد. لقد رأى هيرودس المسيح في ايامتجسدهه، ورآه حنان ، وكذلك بيلاطس والكهنة والرؤسائ جميعهم رأوه ، كما رآه ايضا عساكر الرومان . الا ان هؤلاء كلهم لم يروه بعين الايمان ، لم يروه بوصفه الفادي الممجد. ان ادراك المسيح بالايمان، ومعرفته معرفة روحية هي امر ينبغي ان يصبو الانسان اليه اكثر من معرفته معرفة شخصيةعندما عاش على الارض . ان الشركةمع المسيح التي كان بولس يتمتع بها حينئذ كانت اكثر مودة وحبا ودواما من مجرد العشرة البشرية الارضية,AR 409.3

    واذ كان بولس يتكلم عما قد عرف ويشهد بما قد رآه عن يسوع الناصري كرجاء اسرائيل ، اقتنع أولئك الذين كانوا يبحثون عن الحق بأمانة, وقد احدث كلامه تأثيرا لايمحى على اذهان بعض منهم على الاقل . اما الآخرون فبكل اصرار وعناد رفضوا شهادة الكتب المقدسة الصريحة مع ان الذي قدمها كانت عنده انارة الروح القدس الخاصة. لقد عجزوا عن تقنيد حججه ومع ذلك رفضو قبول استنتاجاته.AR 410.1

    وقد مرت شهور طويلة بعد وصول بولس الى روما ، قبلما جاء يهود اورشليم بأنفسهم ليقدموا شكواهم ضد الاسير . لقد تعطلت مساعيهم ومحاولاتهم مرارا، اما الآن فإذ كان بولس مزمعا ان يحاكم امام اعلى محكمة الامبراطورية الرومانية ، فإنهم لم يريدوا ان يخاطروا كي لايصابو بهزيمة اخرى. لقد اعلن ليسياس وفيلكس وفستوس واغريباس عن اقتناعهم ببراءة ساحة بولس . اما امل اعدائه الوحيد في النجاح فكان ينحصر في كونهم يدبرون دسيسه يكسبون بها عطف الامبراطور. والتأخير قد يخدم اغراضهم اذ يعيطهم متسعا من الوقت يكملون فيه خطههم وينفذونها ن وهكذا انتظوا بعض الوقت قبل تقديم اتهاماتهم شخصيا ضد الرسول . AR 410.2

    وقد شاءت عناية الله ان يؤول هذا التأخير الى اتقدم الانجيل ونشره . فبواسطة فضل ومعروف أولئك الذين وكلت اليهم حراسة بولس سمح له بالسكنى في منزل رحب ومريح حيث كان يجتمع مع أصدقائه بكل حرية ، كما كان كل يوم يقدم الحق لمن كانو يأتون ليسمعوه. وهكذا ظل لمدة سنتين : «كارزا بملكوت الله ، ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة ، بلا مانع» ( عدد31).AR 410.3

    وفي غضون ذلك الوقت لم يكن لينسى الكنائس التي كان قد اسسها في بلدان كثيرة . فإذ كان الرسول يدرك المخاطر التي كانت تتهدد المهتدين الى الايمان الجديد ، حاول قدر امكانه ان يلبي احتياجاتهم بإرسال رسائل تشتمل على تحذيرات وتوجيهات عملية . وقد ارسل من روما خداما مكرسين ليعملو ليس فقط في هذه الكنائس بل في الحقول التي لم يذهب هو اليها . فهؤلاء الخدام ، كالرعاء الحكماء ، قوو وشدووا العمل الذي قد بدأه بولس حسنا ، واذ ظل الرسول على اتصال بحالة الكنائس والمخاطر المحدقة بها بمراسلتهم، امكنه ان يمارس اشرافا حكيما على كل الكنائس. AR 410.4

    وهكذ اذ كانوا يبدو ان بولس قد منععن كل عمل نشط ، فقد بذل تأثيرا أبعد مدى وأطول أمدا مما لو كانت له الحرية للسفر وزيارة الكنائس كما في السنين الماضية . وكأسير الرب كانت له سيطرة اقوى على عواطف اخوته، فالاقوال التي كان يكبتها ذاك الذي كان مقيدا لأجل المسيح ، استرعت انتباها واكرامااعظم مما كان وهو حاضر معهم بشخصه . ولم يتحقق المؤمنون منمقدار ثقل الاعباء التي كان يحملها بولس عنهم الى ان أخذ من بينهم. فيما ماضى كان اكثرهم يتملصون من المسؤولية وحملالاثقاللأنه كانت تعوزهم حكمة الرسول ولبقاته ونشاطه الذي لايكل ، اما وقد تركوا مفتقرين للخبرة ليتعلموا الدروس التي قد أعرضوا عنها ، فقد صاروا يقدرون انذاراته ومشوراته وتعاليمه ، بعد ان كانوا قبلا لايقدرون عمله وخدماته الشخصية بينهم. وإذ علموا انه قد أبدى شجاعة وايمانا في ابان مدة سجنه الطويلة، صار ذلك حافزا لهم على اظهار ولاء أعظم وغيرة اكمل في عمل المسيح.AR 411.1

    كان بين مساعدي بولس في روما كثيرون من رفقائه وزملائه القدامى . فقد كان لايزال معه «لوقاالطبيب الحبيب» الذي لازمه في سفره من اورشليم ومدى السنتين اللتين قضاهما سجينا في قيصرية وفي اثناء سفرته الخطرة الى روما . وكان تيموثاوس ايضا يخدمه ويعزيه . كما ان تيخيكس وقف الى جواره بكل نبل وشجاعت، حتى ان الرسول كتب عنه يقول«الاخ الحبيب ، والخادم الامينوالعبد معنا في الرب» ( كولوسي4 :7 ).كذلذ كان معه ايضا ديماس ومرقس . وكان ارسترخس وابفراس» مأسورين معه» ( راجع كولوسي4 :7-14).AR 411.2

    اما مرقس فقد تعمق اختباره المسيحي منذ سني اعترافه بالايمان في بدء حياته الروحية . فإذ درس حياة المسيح وموته بكل امعان وتدقيق ، حصل على افكار اوضح حول رسالة المخلص وأتعابها وتحدياتها . فإذ قرأ في أثر الجروح التي في يديه ورجليه دلائل خدمته للبشرية، والمدى الذي يسوق اليه انكار الذات في سبيل تخليص الضالين والهالكين، اصبح مرقس أصبحمرقس راغبا في اتباع السيد في طريق التضحية. والآن اذ قاسم بولس الاسير في مصيره، صار يدرك اكثر مما ادرك في أي وقت مضى ان ربح المسيح هو افضل من كل ربح ، وان افدح خسارة هي ان يربح الانسان العالم ويخسر النفس التي اهرق دم المسيح لفدائها . وقد ظل مرقس ثابتا في وجه التجارب والضيقات القاسية ، وكنا معينا حكيما ومحبوبا للرسول . AR 412.1

    اما ديماس الذي ظل ثابتا بعض الوقت فقد ترك خدمة المسيح بعد ذلك . واذ كان بولس يشير الى ذلك كتب يقول : «ديما قد تركني اذ احب العالم الحاضر» ( 2 تموثاوس4 : 10). ففي سبيل الارباح العالمية ضحى ديماس بكل اعتبار سام ونبيل . ماكان أقصر نظره وهو يقد تلك الصفقة ويقدم على تلك المبادلة ، فإذ كان ديماس لايملك سوى الغنى اوالكرامة الدنيوية ، فقد كان فقيرا حقا مهما ادعى عن وفرة غناه، اما مرقس فإذ اختار احتمال الالام لاجل المسيح فإنه كان يملك غنى ابديا اذ كان معتبرا في السماء من ورثة الله ووارثا مع ابنه .AR 412.2

    كان بين من سلمو قلوبهملله عن طريق خدمات بولس في روما انسيمس الذي كان عبدا وثنيا أخطأ الى مولاه فليمون الذي كان احد المؤمنين المسيحيين في كولوسي ، وهرب الى روما . ان بولس بسبب رقة قلبه طلب ان يسعف هذا البعد الهارب البائس في فقره وضيقه نفسه ، وحيئنذ حاول ان يدخل نور الحق الى مخادع عقله المظلم . وقد اصغى انسيمس الى كلام الحياة واعترف بخطاياه واهتدى الى الايمان بالمسيح .AR 413.1

    وقد جعل انسيمس نفسه عزيزة على قلب بولس بتقواه واخلاصه ، كما انه اهتم ايضا براحة الرسول وكان يرعاه بكل رقة ، هذا فضلا عن غيرته على تقدم عمل الانجيل . وقد رأى فيه بولسبعض ميزات خلقية كفيلة بأن تجعله مساعدا نافعا في العمل الكرازي ، فنصحه بالعودة الى فيمون بلا ابطاء ليستغفرهومن ثم يخطط للمستقبلز وقد وعده الرسول بأن يتحمل مسؤولية المبلغ الذي سرق من فيمون . واذ كان الرسول مزمعاان يرسل تيخيكس برسائلالى الكنائس المختلفة في آسيا الصغرة ، ارسلانسيمس معه . كان اختبارا قاسيا لهذا العبد ان يسلم نفسه لذلك السيد الذي اخطأ اليه ، ولكن اهتداءه كان حقيقيافلم يتحول عن واجبه . AR 413.2

    وقد حمل بولس انيسمس رسالة الى فليمون استخدم فيها الرسول لباقته ورقته المعتادة في التوسل لأجل ذلك البعد التائب، وعبر عن رغبته في أن يستبقيه عنده ليخدمه في المستقبل . وقد بدأت الرسالة بتحية حبية لفليمون كصديق وشريك في الخدمة .AR 413.3

    فكتب يقول : «نعمة لكم وسلام من الله أبيناوالرب يسوع المسيح . اشكر الهي كل حين ذاكرا اياك في صواتي ، سامعا بمحتبك والايمان الذي لك نحو الرب يسوع ، ولجميع القدسيسي ن لكي تكون شركة ايمانك فعالة في معرفة كل الصلاح الذي فيكم لأجل مالسحي يسوع» ( فليمون 3- 6). وقد ذكر الرسول فيمون ان كل غرض صالح وكل ميزة خلفية نبيلة كانت له تنسب لنعمة المسيح هذا وحدههو الذي جعله يختلف عن الناس المتمردين الفاسدين الخطأة ن ونفس هذه النعمة أمكنها ان تجعل المجرم الحقير ابنا لله وخادما نافعا للانجيل .AR 413.4

    كان يمكن بولس ان يشدد على فيلمون لكي يقوم بواجبهكمسيحي ، الا انه فضل لغة التوسل فقال : «اذ انا انسان هكذا نظير بولس الشيخ ، والان اسير يسوع المسيح ايضا اطلب اليك لأجل ابني انيسمس ، الذي ولدته في قيودي ن الذي كان قبلا غير نافع لك ، ولكنه الان نافع لك ولي» ( عدد 9 ، 10).AR 414.1

    وقد سأل الرسول فيمون بالنظر الى اهتداءه انيسمي ان يقبل ذلك العبد التائب كابن له مظهرا له تلك المحبة التي تجعله يختار المعيسشة مع سيده السابق : «لا كعبد في مابعد ، بل افضل من عبد : اخا محبوبا» ( عدد 16)زوقد عبر له عن رغبته في استبقاء انسيمس بوصفهيستطيع ان يخدمه في قيوديه بالطريقة التي كان يمكن لفيمون نفسه ان يفعلها ، مع انه لم يكن يرغب ان يخدمه انسيمس ما لم يحرر فيمون ذلك العبد من تلقاء ذاته . AR 414.2

    عرف الرسول كل المعرفة مقدار القسوة التي كان السادة يعامولن بها عبيدهم ، كما عرف ايضا نفيمون كانمغتاطا جدا بسبب تصرف عبده . فحوا لان يكتب اليه بطريقة توقظ اعمق وارق مشاعره كمسيحي . ان اهتداء انسيمس جعله اخا في الايمان، فكل عقوبة تفرض على هذا المهتدي حديثا كان بولس يعتبرها وقاعة عليه هو نفسه . AR 414.3

    وقد تطول بولس لاعتبار نفسه مسؤلا عن دين انيسمي حتى يجنب ذلك العبد المذنب عار القصاصويعود للتمتع بالامتيازات التي قد حسرها . فكتب يقول لفليمون : «فان كنت تحسبني شريكا ، فاقبلهنظيري ، ثم ان كان قد ظلمك بشيئ ، او لك عليه دين ، فاحسب ذلك علي ، انا بولس كتبت بيدي انا أوفي» ( عدد 17 — 19).AR 414.4

    كم يعبر هذا عن محبة المسيح للخاطئ التائب. فالعبد الذي قد غدر بمولاه لم يكن يملك شيئا به يعوض عما اختلسه . والخاطئ الذي قد سلب الله سنينا طويلة كان يمكنه فيها ان يخدمه لايملك مايفي به الدين او يلغيه . ولكن يسوع يتوسك بين الخاطئ وبين الله قائلا : انا أوفي الدين . ابق على الخاطئ فأنا سأتألم بدلا منه.AR 415.1

    وبعدما تطول بولس لأن يأخذ نفسه تبعة دين أنسيمس ، جعل يذكر فيمون كم هو نفسه مدين للرسول . لقد كان مدينا له بذاته لأنل الله جعل بولس واسطة لهدايته . وحينئذ وفي توسل رقيق غيورطلب من فيمون انه كما اراح احشاء القديسين بعطاياه السخية فكذلك هو يريده ان يريح روح الرسول بمنحه اياه هذه السبب للفرح . فقال : «اذ انا واشق بإطاعتك ، كتب اليك عالما انك تفعل ايضا اكثر مما اقول» ( عدد21) .AR 415.2

    ان رسالة بولسهذه الى فليمون تظهر لنا تأثير الانجيل على العلاقة بين السادة والعبيد . كان الاسترقاقاو تجارة الرقيقنظاما ثابتا في كل الامبراطورية الرومانية. وفي معظم الكنائس التي خدم فيها بولس كان هناك السادة والعبيد . وفي المدن حيث كان العبيد في غالب الاحيان يتعدى عددهم عدد السكان الاحرار ، كانت القوانين الصارمة جدا تعتبر لازمة لاخضاعهم . وكثير ماكان الروماني الثري يملك مئات من العبيد من كل الطبقات والرتب والامم وكل انواع الثقافات والاعمال. وبسلطانه المطق على أرواح هذه الخلائق التعسة واجسادهم ، كان يمكنه ان يوقع عليهم أية عقوبة يختارها . ولو ان واحدا منهم تجرأ على رفع يده على سيده آخذا بالثأر أو دفاعاعن النفس، فكل اسرة المذنب يمكن ان تقتل بلا رحمة ,. واقل غلطة او حادثة او اهمال كانت توقع على مرتكبها القصاص بلا رحمة في غالب الاحيان . AR 415.3

    ولكن بعض السادة الذين كانوا ارحم واكرم من غيرهم كانوا يظهرون تسامحها نحو عبيدهم الا ان اكثرية الاثرياء والنبلاء الذين اسلموا انفسهم بلا رادعللانغماس في الهوى والشهوات والنعم ، جلعوا عبيدهم فرائس تعسة للهوى والطغيان , وقد كان ذلك النظام برمته يميل الى الانحطاط الذي لايجبر . AR 416.1

    ولم يكن عمل الرسول يهدف لقلب نظام المجتمع الثابت بطريقة استبدادية او فجائية, فلو حاول عمل ذلك لكان عمل الانجيل يتعطل ويفشل . ولكنه قدم مبادئ ضربت تجارة الرقيق من أساستها ، ولو نفذت لكانت كفيلة بتقويض النظام كله . فقد اعلن قائلا : «وحيث روح الرب هناك حرية» ( 2 كورنثوس 3 : 17). وكان العبد عندما يهتدي يصبح عضوا في جسدالمسيح ، وكعضو في الجسد المقدس كان يجب ان يعاملبالمحبة ويعتبر كأخ وشريكمع سيدهلبركات الله وامتيازات الانجيل . ومن الناحية الاخرى كان على العبيد ان يمارسوا واجباتهم . «لا بخدمة العين كم يرضى الناس، بل كعبيد المسيح ، عاملين مشيئة الله من القلب» ( افسس 6: 6 ).AR 416.2

    ان المسيحية توجد صلة اتحاد وثيقة بين السيد والعبد ، بين الملك ورعاياه ، بين خادم الانجيلوالخاطئ المنحط الذي قد وجد في المسيح تطهيرا من خطاياه . لقد اغتسلو في نفس الدم واحياهم نفس الروح وصاروا اواحدا في المسيح يسوع . AR 416.3

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents