Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
أعما لالرُّسل - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل التاسع عشر

    اليهود والأمم

    (يعتمد هذا الفصل على ماجاء في أعمال15 : 1 — 35).

    إن بولس وبرنادبا إذ وصلا إلىأنطاكية في سوريا حيث انطلقا منها للكرازة، استغلا أول فرصة ليجمعا المؤمنين ويخبرا «بكل مااصنع الله معهما ، وأنه فتح للأمم باب الإيمان» ( أعمال14: 28). كانت الكنيسةفي أنطاكية كنيسة كبيرة ونامية . وكانت مركز للنشاط الكرازي وتضم أهم جماعات المسيحيين المؤمنين . وكان أعضاؤهامن طبقت مختلفة من الشعب من بينهم اليهود والأمم .AR 167.1

    وإذ اتحد الرسولا مع الخدام والأعضاء العلمانيين في انطاكية في بذل مسعى جدا غيور لربح نفوس كثيرة للمسيح ، نجح بعض اليهود المؤمنين «من مذهب الفريسيين» (عدد 5) في اثارة سؤال سرعان ما أدى الى مشادات واسعة النطاقفي الكنيسة وسبب ذعرا للمهتدين من الأمم . فهؤلاء المعلمون المتهودون صرحوا بـتأكيد عظيم أنه لكي يخلص الانسان عليه أن يختتن ويحفظ كل الناموس الطقسي .AR 167.2

    وقد واجه بولس وبرنابا هذه العقيدة الكاذبة بكل حزم وعارضا في تقدم ذلك الموضوع إلى الأمم. ومن الناحية الأخرى فإن العديد من اليهود المؤمنين في أنطاكية انحازوا إلى الموقف الذي وقفه الاخوة القادمون حديثا من اليهودية AR 167.3

    وبوجه عام لم يكون المهتدون من اليهود يرغبون في التقدم بنفس السرعة التي فتحت لهم بها عناية االله الطريق . وقد كان واضحا من نتائج خدمات الرسولين بين الأمم أن عدد المهتدين من بين هؤلاء كان أكثر جدا من المهتدين اليهود . وقد بات اليهود يخشون أنه إذا لم يجبر الأمم على حفظ القيود وطقوس الناموس كشرط لانضمامهم إلى شركة الكنيسة، فإن الصفات القومية المميزة لليهود والتي قد حفظتهم إلى الآن منعزلين عن باقي الناس ، ستختفي نهائيا من بين أولئك الذين قد قبلوا رسالة الانجيل . كان اليهود يفاخرون دائما بخدماتهم المعينة لهم م نالله ، وكثيرون ممن قد اهتدوا إلى الايمان بالمسيح كانوا لايزالون يحسون بـأنه حيثأن الله قد حد وعين طريقة العبادةللعبرانيين فقد كان من غير المرجح بأنه سيسمح بأي تغييرفي خصائصها وشروطها . وقد أصروا على أن الشرائع والطقوس اليهودية يبنغي أن تندمج في فرائض الديانة المسيحية. لقد كانوا متباطئين في إدراك حقيقة كون كل التقدمات الكفارية إنما كانت ترمز إلى موت ابن الله الذي فيه التقى الرمز بالمرموز إليه ، وأنه بعد موته ماعاد أحد ملتزما بحفظ طقوس وشعائر النظام الموسوي .AR 168.1

    إن بولس قبل اهتدائه كان يعتبر نفسه «من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم«(فيلبي3 : 6) ولكن منذ تغير قلبه، حصل على إدراك واضح لرسالة المخلص بوصفه الفادي للجنس البشري كله ، الأمم منهم واليهود على السواء، وتعلم الفرق بين الايمان الحيوالطقوس الميتة. ففي نور الانجيل أصبح للطقوس والشعائرالقديمة المسلمة إلى اسرائيل معنى جديدا وعميقا . فالذي كانت ترمز اليه هذه الطقوس قد تم ، والذين كانوا يعيشون في عهد النعمة والانجيلتحرروا من حفظها.إلا ان بولس ، مع ذلك ، كان لايزال يحفظ شريعة الله غير المتغيرة والمتضمنة في الوصايا العشر — كان يحفظها روحا وحرفا. AR 168.2

    إن التأمل والتداول في مشكلة الختان في كنيسة أنطاكية، نتج عنه كثير من المجادلاتوالنزاع . أخيرا ،إذ كان أعضاء الكنيسة يخشون أن ينتج عن مجادلاتهم المستمرة انقسام بين صفوفهم ، قرروا أن يرسلوابولس وبرنابا مع بعض الرجال المسؤولين في الكنيسة إلى أورشليم لكي يبسطوا المسألة أمام الرسل والمشايخ. وكانوا سيقابلون هناك مندوبينعن الكنائس المختلفة وأولئك الذين قد أتوا إلى أورشليم لإحياء الأعياد التي كان موعدها قد أوشك . وفي أثناء ذلك كان ينبغي الكف عن كل المناقشات والمشادات إلى أن يبت نهائيا في الأمر في مجمع عام . ومن ثم كان ينبغي أن يقبل الجميع من مختلف الكنائس في كل البلاد هذا الحكم ويعملوا به . AR 169.1

    وفي الطريق إلى أورشليم زار الرسولان ، المؤمنين المتواجدين في المدن التي مرا بها ، وشجعاهم بسرد اختبارهما في عمل الرب، واهتداء الأمم إلى الحق . AR 169.2

    وفي أورشليم التقى المبعوثون القادمون من أنطاكية بالاخوة القادمينمن كنائس مختلفة الذين كانوا قد اجتمعوافي اجتماع عام، فأخبرهم الرسولان عن النجاح الذي حالفهمافي خدمتهما بين الأمم . وحينئذ قدما لهم ملخصا واضحا صريحا بالارتباك الذي حدث لأن بعض المهتدين من الفريسيين قد ذهبوا إلى انطاكية وأعلنوا أنه ينبغي للأمم أن يختتنوا ويحفظوا ناموس موسى لكييخلصوا . AR 169.3

    وقد تم بحث هذه المشكلة في المجمع بكل اهتمام. كام كانت توجد مشاكل أخرى مرتبطةارتباطا وثيقا بمشكلة الختان تتطلب الدرس والبحث . كان بين المسائل مسألة الموقف الذي يتخذ حيال الذبائح التي تقدم للأوثان . لقد كان كثيرون من المهتدين من الأمم يعيشون بين شعب جاهل متمسك بالخرافات وكانوا كثيرا ما يقدمون ذبائحهم وقرابينهم للأوثان . كما كان كهنة الأوثان أولئك يزاولون تجارة واسعة بالذبائح التي كانت تقدم لهم . وكان اليهود يخشون أن يجلب المهتدون من الأمم العار على المسيحية إذ يشترون مما قد ذبح للأوثان، إذ بذلك يجيزون العدات الوثنية إلى حد ما .AR 169.4

    ثم ان الامم كانوا معتادين على اكل لحوم الحيوانات المخنوقة ، بينما كان الله قد علم اليهود أنه عند ذبح الحيوانات لتؤكل كان يبنغي ملاحظة الدم وهو يسيل من جسمها وإلا فاللحم لم يكن يعتبر صحيااو محللا . لقد اعطى الله لليهود هذه الوصايا بقصد حفظ صحتهم. وقد اعتبر اليهود اكل الدم خطية . اذا كانوا يعتبرون إن الحياة هي في الدم وان سفك الدم هو نتيجة الخطية . AR 170.1

    أما المم فعلى نقيض ذلك كانوا يأخذون الدم السائلمن الحيوانات بعد ذبحا ويستخدمونه في اعداد الطعام. ولم يستطع اليهود ان يصدقوا انه ينبغيلهم تغيير العادات التي ساروا عليها بموجب توجيهات خاصة من الله . ولذلك ففي تلك الحالة لو حاول اليهودي والامميأن يأكلا على مائدة واحدة فان الاممي كان سيصيب اليهودي بصدمة شديدة ويسيئ اليه .AR 170.2

    لقد كان الامم ،ونخص بالذكر منهم اليونانيين ، قوما شهوانيين لى اقصى جد . وكان هنالك خطر من ان بعض الذين لم تتجد قلوبهم يعترفون بالايمان اعترافا سطحيا دون ان ينذبوا اعمالهم الشريرة . ولم يكن المسيحيون من اليهود يستطيعون التساهل أمام الدعارة والفجور التي لم يكن الوثنيون يعتبرونها اجراما .ولذلك كان اليهود يعتقدون أنه من الملائم جدا ان يفرض على المهتدين من الأممأن يختتنوا ويحفظوا الناموس الطقسي كاختبار لاخلاصهم وتكريسهم. وقد اعتقدوا بأن هذا كفيل بأن يمنع عن عضوية الكنيسة أولئك الذين إذ اعتنقوا الايمان بدون تغيير في القلب كان يمكن أن يجلبوا العار فيما بعد على عمل الله بنجاستهم وافراطهم.AR 170.3

    ان النقاط المختلفة المتضمنة في تسوية المشكلة الرئيسية التي كانت قد البحث بدا وكأنها تسل المجمعبسبب المشاكلالتي لايمكن حلها . ولكن الحقيقةهي ان الروح القدس كان قد سبق فبت في هذه المشكلة التي كان يتوقف على الحكم فيها نجاح الكنيسة المسيحية أن لم يكن كيانها ووجودها نفسه . AR 171.1

    «فبعد ماحصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم ايها الرجال الاخوة ، انتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بينناانه بفمي يسمع الامم كلمة الانجيل ويؤمنون» (عدد 7). لقد حاجهم قائلا إن الروح القدس قد بت في القضية التي هي موضوع النزاع إذ حل على الأمم بقوة شبيهة بتلك التي قد حل بها على اليهود المختونين سواء بسواء . وقد قص عليهم خبر الرؤيا التي أراه الله فيها ملاءة بها كل دواب الارض والوحوش وامره ان يذبح ويأكل . فلما رفض مؤكدا انه لم يأكل قط شيئادنسا او نجسا ، جاءه الجواب يقول : «ماطهره الله لاتدنسه انت» (أعمال 10: 15 ).AR 171.2

    وقد قص بطرس على المجمع التفسير الواضح لهذه الاقوال ، ذلك التفسير الذي قدم اليه بعد الرؤيا مباشرة اذ جاء من استدعاء للذهاب إلى قائد المئة ليعلمهعن الايمان بالمسيح. وقد برهنت هذه الرسالة على ان الله لا يحابي الوجوه ولكنه يقبل ويعترف بكل من يتقونه . وقد اخبرهم بطرس عن دهشته اذ فيما كان ينطق بكلام الحق هذا في مسامع أولئك الذين كانوا مجتمعين في بيت كرنيليوس شاهد الروح القدسيحل على سامعيه من الأممين واليهود سواء بسواء. فنفس النور والمجد اللذان أضاءا على اليهود المختونين أضاءا كذلك على وجوه الأمميين الغلف أي غير المختونين. وقد كان هذا إنذارمن اللهلبطرس كي لايعتبر إنسانا أقل شأنا من إنسان آخر ، لأن دم المسيح يستطيع أن يطهر من كل نجاسة .AR 171.3

    كان بطرس قد تحاجمع إخوته قبل ذلك بشأن اهتداء كرنيليوس وأصدقائه واختلاطه بهم. فإذ كان في تلك الفرصة يقص عليهم كيف حل الروح القدس على الأمم أعلن قائلا: «فإن كان الله قد أعطاهم الموهبة كما لنا أيضا بالسوية مؤمنين بالرب يسوع المسيح ، فمن أنا ؟ أقادر أن أمنع الله ؟» (أعمال 11 17). والآن فها هو بنفس تلك الغيرة والحماس والقوة يقول : «والله العارف القلوب ، شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا أيضا. ولم يميز بيننا وبينهم بشيئ ، إذ طهر بالايمان قلوبهم . فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولانحن أن نحمله» ( عدد 8 -10). لم يكون ذلك النير هو الوصايا العشر كما يدعى من يقاومون مطاليب الشريعة الملزمة ، ولكن بطرس يشير هنا إلى الشريعة الطقسية التي قد ألغيت وأبطلت بواسطة صلب المسيح . AR 172.1

    وقد هيأ خطاب بطرس أعضاء المجمع كي يستمعوا بصبر إلى بولس وبرنابا الذين قصا عليهم اختبارهما وهما يخدمان بين الأمم : «فسكت الجمهور كله . وكانو يسمعون برنابا وبولس يحدثان بجميع ما صنع الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهم» (عدد 12). ثم أن يعقوب قدم شهادته بعزم وتصميم معلنا أنه كان في قصد الله أن يمنح الأمم نفس الامتيازات والبركات التي منحها لليهود.AR 172.2

    لقد رأى الروح القدس أنه ليس حسنا أن تفرض الشريعة الطقسية على المهتدين من الأمم . وكان رأي الرسل في هاذا الأمر متفقا مع رأي روح الله القدوس. ثم أن يعقوب كان رئيسا للمجمع فكان قراره النهائي هو هاذا : «لذلك أنا أرى أن لايثقل على الراجعين إلى الله من الأمم» (عدد 19).AR 172.3

    فكان في هذا فصل الخطاب وانتهاء الجدال. ولنا في هذا دليل على دحض عقيدة الكنيسة البابوية الكاثوليكية — القائلة ان بطرس هو رأس الكنيسة وان ادعاء البابوات بأنهم خلفاؤه ، ليس له أساس كتابي يدعمه. ولاشيئ في حياة بطرس يمكن اعتباره مصادقة على الادعاء بأنه قد ارتفع وسما فوق اخوته بوصفهوكيل العلي . فول أن الذي أعلنوا بأنهم خلفاء بطرس اتبعوا مثاله لكانوا قنعوا بأن يظلوا على قدم المساواة مع إخوتهم . AR 173.1

    وفي هذه الفرصة يبدو أن يعقوب هو الذي اختير ليعلن الحكم الذي قد توصل إله المجمع وقد حكم بأنه ينبغي ألا يفرض الناموس الطقسي على الأمم أو أن يلزموا بحفظه وعلى الخصوص فريضة الختان . وقد حاول يعقوب أن يطبع على عقول اخوته هذه الحقيقة وهي أن الأمم اذا رجعواإلى الله فقد حدث في حياتهم تغييم عظيم، وأنه ينبغي مراعاة جانب الحيطة والحذر فلا يزعجوهم بمسائل مربكة مشكوك فيها وقليلة الأهمية لئلا يفشلوا وتخور قواهم فلا يستطيعون اتباع المسيح. AR 173.2

    ومع ذلك فقد كان على الراجعين إلى الله من الأمم أن يمتنعواعن العادات التي تتعارض مع مبادئ المسيحية. ولذلك فقد أجمع الرسل والمشايخ على أن يوصوا الأمم عن طريق رسائليرسلونها إليهم بالامتناع عن أكل ماذبح للأوثان والزنا والمخنوق والدم . وكان يجب توصيتهم بحفظ الوصايا والعيشة المقدسة . كما كان ضروريا أن يؤكدوا لهم أيضا أن الرجال الذين أعلنوا لهم بأنهم ملزمو بالختان ، لم يتلقوا تفويضامن الرسل بذلك.AR 173.3

    وقد امتدح الرسل لهم بولس وبرنابا على أنهما رجلان قد بذلا نفسيهما لأجل الرب وخاطرا بحياتهما لتقدم عمله . وقد أرسل يهوذا وسيلا مع هذين الرسولين ليخبرا الأمم شفاها بحكم المجمع فقالو : «لأنه قد رأى الروح القدس ونحن ، أن لانضع عليكم ثقلا أكثر ، غير هذهالأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام ، وعن الدم والمخنوق والزنا ، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون» (عدد 28 ، 29). وقد ارسل خدام الله الاربعة هؤلاء إلى انطاكية بالخطاب والرسالة التي كانت ستضع حدا ونهاية لكل المجادلات ، لأنها كانت من أعلى سلطة على الأرض .AR 173.4

    وقد كان المجمع الذي أصدر حكمه في هذه القضية مكونا من الرسل والمعلمين الذي كان لهم الفضل في إقامة الكنائس المسيحية من اليهود والأمم، ومعهم مندوبون من أماكن مختلفة , فقد كان حاضرا في ذلك المجمع شيوخ من أورشليم ومندوبون من أنطاكية، وكانت أعظم الكنائس نفوذا ممثلة في المجمع. وكان المجمع يسير في أعماله بموجب الحكم النير وعظمة الكنيسة التي أقامتها إارادة الله . وكان من نتائج مداولاتهم أنهم رأوا أن الله نفسه قد اجاب عن تلك المسألة التي كانت مطروحة للبحث بكونه اعطى الروح القدس للامم ، فتحقووا أن عملهم هو ان يتبعوا ارشاد الروح .AR 174.1

    لم يدع كل اعضاء الكنائس المسيحية ليبدوا رأيهم في تلك القضية. ولكن «الرسل والمشايخ» ، الرجال ذوي النفوذ والحكم الصائب هم الذي صاغوا ذلك الحكم وبعثوا به ، ولذلك فقد أجمعت الكنائس المسيحية على قبوله. ومع ذلك لم يكن الجميع راضين عن هذا الحكم ، فلقد كان هناك حزن من بعضالاخوة ذوي الطموح الذين كانوا واثقين بأنفسهم ، حيث لم يوافقوا عليه . هؤلاء القوم ادعوا بأنهم انما يقومون بالعمل على مسؤوليتهم . وقد أمعنوا في التذمر والكشف عن أخطاء الآخرين، وكنوا يقترحون خططا جديدة ويحاولون هدم عمل الرجالالذين قد أقامهم الله ليعلموا الناس رسالة الانجيل لقد كان على الكنيسة ان تواجه مثل هذه العقاب منذ البداية وسيظل الحال هكذا إلى انقضاء الدهر .AR 174.2

    لقد كان أورشليم حاضرة اليهود ، وكان يوجد فيها أعظيم تزمت واشد تعصب . فالمسيحيون من اليهود الذين كانوا ساكنين على مرأى من الهيكل ارتدت عقولهم بالطبع إلى امتيازات اليهود الخاصة كأمة. وعندما رأو الكنيسة المسيحية تترك الطقوس والتقاليد اليهودية ، وأدركوا أن القدسية الخاصة التيأضيفتإلى العادات اليهودية ا مزمعة أن تغيب عن الأنظار في نور الإيمانالجديد، غضب على بولس على اعتبار أنه الشخص الذي أحدث هذا التغيير إلى حد كبير. بل حتى التلاميذ أنفسهم لم يكونوا مستعدين كلهم لقبول قرار المجمع بكل رضى . كان كثيرون غيورين على الناموس الطقسي وكانوا ينظرون إلى بولس بازدراء لظنهم أن مبادئه الخاصة بحقوق الشريعة اليهودية والارتباط بها كانت تميل إلى التهاون والتراخي.AR 175.1

    إن قرارات المجمع العام الجريئة والبعيدة المدى جلبت الثقة إلى نفوس صفوف المؤمنين من الأمم فنجح عمل الله وازدهر . وفي أنطاكية تمتعت الكنيسة بحضور يهوذا وسيلا، وهما الرسولان الخاصان اللذان عادا مع الرسلمن الاجتماع في أورشليم. إن يهوذا وسيلا «إذ كانا هما أيضا نبيين ، وعظا الاخوة بكلام كثير وشدداهم» (عدد 32) . «اما بولس وبرنابا فأقاما في أنطاكية يعلمان ويبشران مع آخرين كثيرين ايضا بكلمة الرب» ( عدد 35).AR 175.2

    وعندما زار بطرس انطاكية بعد ذلك ظفر بثقة كثيرين بتصرفه الحكيم نحو المهتدين من الامم . فقد ظل لبعض الوقت يتصرف بموجب النور المعطى من السماء . وقد انتصر على تعصبه الفطري إلى حد أنه كان يأكل مع المهتدين من الأمم. ولكن عندما أتى أورشليم بعض اليهود الغيورين على الناموس الطقسي ، تصرف بطرس تصرفا غير حكيم حيال المهتدين من الوثنية: «وراءى معه باقي اليهودأيضا ، حتى إن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم».إن اظهار هذا الضعف من جانب الذين كانوا موقرين ومحبوبين كقادة، ترك أثرا مؤلما جدا في نفوس المؤمنين من الأمم. وهدد الكنيسة بالانقسام. ولكن بولس الذي رأى الأثر المخرب للظلم الذي وقع على كنيسة بسبب رياء بطرس ، وبخه علانية على إخفائه مشاعره الحقيقية بهذه الطريقة. وأمام الكنيسة سألبولس بطرس قائلا : «إن كنت وانت يهودي تعيش أمميا لايهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ؟» (غلاظة 2 : 13، 14).AR 175.3

    وقد رأى بطرس الخطأ الذي وقع فيه ، وفي الحال عمد إلى إصلاح الشر الذي نتج عن ذلك ، على قدر مااستطاع. والله الذي كان يعرف النهاية من البداية سمح لبطرس بإظهار هذا الضعف في خلقه كي يرى ذلك الرسول المحنك أنه لايوجد فيه شيئ يدعوه للافتخار. فحتى أفاضل الناس سيخطئون في حكمهم لو تركوا لذواتهم . كما رأى الله أيضا أنه في المستقبلسينخدع كثيرون بحيث يدعون أن لبطرس وخلفائه الادعياء حقوقا متميزة هي من حق الله وحده. وهذه الحادثة التي سجلتعلى الرسولناحية من نواحي ضعفه ، كانت ستبقى برهانا على أنه معرض للخطأ وعلى حقيقة كونه لايمتاز بشيئ عن باقي الرسلوأنه ليس معصوما . AR 176.1

    إن تاريخ هذا الانحراف عن مبادئ الحق يقف إنذارا خطيرالمن هم في مراكز ذات مسؤولية في عمل الله ، حتى لايحيدوا عن الاستقامة ، بل يظلوا ثابتين على المبدأ. فكلما زادت التبعاتالملقاة على الانسان ، وكلما كثر الفرض التي يمكنه فيها ان يملي ارادته ويفرض سلطانه ، كلما زاد الخطر الذي يمكنهأن يحدثه إذ هو لم يحرص على اتباع طريق الرب ويخدم متوافقا مع القررات التي قد وصل اليهاجموع المؤمنين في مجمع متحد .AR 176.2

    بعد كل السقطات التي تردى فيها بطرس ، وبعد سقوطه ورجوعه ، وطريق خدمته الطويل وصلته الوثيقة بالمسيح ومعرفته لأعمال المخلص المستقيمة المبنية على المبادئ الصالحة ، وبعد كل التعاليم التي تلقاها ، والهبات والمعرفة والـتأثير الذي حصل عليه عن طريق تعليم الكلمة والكرازة بها — أليس منالغريب أنه يرائي ويرواغ حول مبادئ الانجيلبدافع الخوف من الناس أو لكي يظفر بالتقدير والاكرام ؟ أليس غريبباانه يتردد ويتذبذب في صمودهلحق ؟ ليت الله يعطي كل انسان نعمة حتى يتحققمن عجزه وعدم قدرته بنفسه على أن يقود سفينة حياته باستقامة وسلام إلى الميناء .AR 177.1

    إن بولس في خدمته كان يضطر في كثير من الاحيان لأن يقف وحده . لقد تعلم تعليما خاص من الله ولم يجرؤا على أي تنازل يتضمن التضحية بالمبدأ. أحيانا كان كاهله ينوء تحت حمله الثقيل ، إلا أنه ظل ثابتا إلى جانب الحق. ولقد تحقق من أن الكنيسة ينبغي ألا تخضع لسيطرة الانسان . فالتقاليد والمبادئ المقررة من الناس ينبغيألا يستعاض بها عن الحق الالهيالمعلن . وينبغيألا يتعطل تقدم رسالة الانجيلبواسطة تعصب الناس أو تفضيلهم او استحسانهم مهما يكن مركزهم في الكنيسة .AR 177.2

    لقد كرس بولس نفسه وكل قواهلخدمة الله . فلقد قبل حقائق الانجيل من السماء مباشرة ، ومدة سني خدمته كلها ظل محتفظابصلة حيوية مع رسل السماء. كان قد تعلم من الله فيما يختص بوضع أحماللاضرورة لها على أعناق المسيحيين من الأمم ، وهكذا عندما قدم اليهود المؤمنون للكنيسة التي في أنطاكية مشكلة الختان ، عرف بولس فكر روح الله بخصوص هذا التعليم ، واتخذ موقفا ثابتا لايلين كفلللكنائس الحرية من الطقوس والشعائر اليهودية .AR 177.3

    وبالرغم من حقيقة كون بولس متعلما من الله تعليما شخصيا فلمتكن عنده آراء متصلبة عن المسؤولية الفردية , ففيما كان ينظر إلى الله في انتظار ارشاد مباشر ، كان أبدا مستعدالأن يعترف بالسلطة المعطاة لهيئة المؤمنين المتحدين معا في شركة الكنيسة . لقد احس بالحاجة إلى المشورة وعندما طرأت شؤون هامة سره أن يبسطها أماما الكنيسة ويتحد مع إخوتهفي طلب الحكمة من الله لاتخاذ القرارات الصائبة حيالها. وقد أعلن قائلا : «وأرواح الانبياء خاضعة للأنبياء لأن الله ليس إله تشويش بل الهسلام، كما في جميع الكنائس القديسين» (1 كورنثوس14 : 32 ، 33) . وقد اشترك مع بطرس في التعليم الداعي إلى أن جميع المرتبطينمعا في نظام الكنيسة وإمكاناتها ، ينبغي أن يكونوا «خاضعين بعضكم لبعض» (1 بطرس 5:5).AR 178.1

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents