Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
خواطر من جبل البَرَكَة - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First

    « اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ » (لوقا 13: 24)

    إنّ المسافر الذي قد تأخّر في سيره إذ كان يسرع ليصل إلى باب المدينة عند غروب الشمس لم يستطع أن يميل إلى هنا أو هناك ليرى الجواذب التي في الطريق. لقد كان منصرفا بكل فكره إلى الغرض الواحد وهو الدخول من الباب. وها هو يسوع يقول لنا: إنّ نفس قوة العزم هذه لازمة ومطلوبة في الحياة المسيحية. لقد كشفتُ لكم عن مجد الخلق الذي هو المجد الحقيقي لملكوتي. إنّه لا يعدكم بملكٍ أرضي ومع ذلك فهو يستحق أسمى أشواقكم وجهودكم. إنّي لا أدعوكم لتحاربوا للتسلط على إمبراطورية العالم العظيمة، ولكن لا تستنتجوا لذلك انّه لا توجد معركة ينبغي خوضها، أو أنه لا توجد انتصارات يجب إحرازها. فإني آمركم أن تجاهدوا وتكافحوا بكل قوتكم في الدخول إلى ملكوتي الروحي.ArMB 67.4

    إنّ الحياة المسيحية هي معركة وسير إلى الأمام. ولكن الانتصار الذي يجب إحرازه لا يُنال بقوّة بشرية. إنّ ميدان القتال هو منطقة القلب. والحرب التي علينا أن نشنها — أعظم معركة يخوضها الإنسان — هي تسليم الذات لمشيئة الله وتسليم القلب لسلطان المحبة. إنّ الطبيعة القديمة المولودة من الدم ومن مشيئة الجسد لا يمكنها أن ترث ملكوت الله. والميول الموروثة والعادات القديمة يجب الإقلاع عنها.ArMB 68.1

    إنّ من يصمم على دخول الملكوت الروحي سيجد أنّ كل قوى الطبيعة غير المتجددة وأهواءها تسندها قوى مملكة الظلام مصطفّة ضدّه. فالأنانية والكبرياء ستقفان ضد أي شيء يبرهن على انهما شريرتان. ونحن من ذواتنا لا نستطيع أن نقهر الشهوات والعادات الشريرة التي تحاول السيطرة علينا. ولا نستطيع أن نقهر العدو الجبار الذي يستأسرنا. ولكن الله وحده يستطيع أن يمنحنا النصرة. وهو يريدنا أن نتحكم في نفوسنا، في أرادتنا وطرقنا. ولكنّه لا يستطيع أن يعمل فينا بدون رضانا وتعاوننا. فروح الله يعمل عن طريق الكفاءات والقوى المعطاة للإنسان. إنّ قوى نشاطنا مطلوبة لتتعاون مع الله.ArMB 68.2

    والنصرة لا تنال بدون صلوات كثيرة حارة، وبدون إذلال النفس عند كل خطوة. ينبغي عدم إرغام أرادتنا على التعاون مع القوى الإلهية، ولكن يجب إخضاعها طواعية واختيارا. فلو كان من الممكن أن يفرض عليك روح الله بقوة تزيد مئة ضعف في شدتها فهذا لا يمكن أن يجعلك مسيحياً، وواحدا من الرعايا المؤهلين للسماء. فمعقل الشيطان لا يسقط. يجب أن تقف الإرادة إلى جانب إرادة الله. إنّك من ذاتك لا تقدر أن تخضع مقاصدك ورغائبك وميولك لإرادة الله، ولكن إذا كنت « ترغب في أن تريد » فالله سيتمم لك العمل، حتى نكون « هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ » وحينئذ أنت ستتمم خلاصك « لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ » (2كورنثوس 10: 5؛ فيلبي 2: 12، 13).ArMB 68.3

    ولكنّ كثيرين يجتذبهم جمال المسيح ومجد السماء ممن يتراجعون أمام الشروط التي بموجبها وحدها يمكن لهذه الأشياء أن تكون لهم. هناك كثيرون في الطريق الواسع غير قانعين تماماً بالطريق الذي هم فيه سائرون. إنّهم يشتاقون إلى التحرر من عبودية الخطية، ويحاولون بقوتهم أن يقفوا ضد أعمالهم الشريرة. إنّهم يتطلعون ناحية الطريق الضيق والباب المكرب، ولكنّ المسرات النفسـانية ومحبـة العالم والكبرياء والطموح غير المقدس تقيم سدا منيعا بينهم وبين المُخَلِّص. إنّ نبذهم لإرادتهم وموضوع محبتهم أو مطالبهم المختارة يتطلب تضحية يترددون أمامها فيضطربون ويتراجعون. « إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ » (لوقا 13: 24). إنّهم يشتاقون إلى الخير ويبذلون بعض المسعى عليه ولكنهم لا يختارونه، فليس عندهم العزم الثابت على إحرازه بتضحية كل شيء.ArMB 68.4

    إنّ الأمل الوحيد لنا إذا أردنا أن ننتصر هو أن نجعل إرادتنا متحدة مع إرادة الله ونعمل متعاونين معه ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم. لا يمكننا الإبقاء على الذات ومع ذلك ندخل ملكوت الله. إذا نحن بلغنا القداسة فذلك يكون عن طريق نبذ الذات وقبول فكر المسيح. فيجب صلب الكبرياء وكفاية النفس. فهل نحن راضون عن دفع الثمن المطلوب منا؟ وهل نحن راغبون في جعل أرادتنا في حالة امتثال كامل لإرادة الله؟ فان لم نكن راغبين في ذلك فان نعمة الله المغيرّة لا يمكن أن تظهر فينا.ArMB 68.5

    إنّ الحرب التي علينا أن نثيرها هي « جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ » قال بولس الرسول: « أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ » (كُولُوسِّي 1: 29).ArMB 69.1

    إنّ يعقوب في أزمة حياته العظيمة انتحي جانبا ليصلّي. لقد كان ممتلئ القلب بعزم واحد تسلط عليه — أن يطلب تغيير أخلاقه. ولكن فيما كان يجاهد مع الله وضع الله يده عليه (وكان يظنّه عدوا)، وقد ظل طوال الليل يصارع لأجل حياته. ولكنّ عزم نفسه لم يتغيّر بسبب الخطر على حياته نفسها، وعندما كادت قوّته تفارقه أخرج الملاك قوّته الإلهية وعند لمسته عرف يعقوب ذاك الذي كان يتصارع معه. فإذ كان جريحا وعاجزا ارتمى على صدر المُخَلِّص متوسلا في طلب البركة. إنّه لم يرد أن يرجع أو ينزاح من الطريق ولا أن يكفّ عن تشفّعه. وقد منح المسيح هذه النفس العاجزة التائبة طلبها حسب وعده: « ليَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي ». (إِشَعْيَاء 27: 5). لقد توسل يعقوب بروح التصميم إذ قال: « لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي » (تكوين 32: 26). إنّ روح الإصرار هذه قد ألهمه بها ذاك الذي كان يصارع مع ذلك القديس. إنّه هو الذي منحه النصرة وهو الذي غير اسمه من يعقـوب إلى إسرائيل قائلا: « لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ » (تكوين 32: 28). إنّ ما جاهد يعقوب باطلا في سبيل الحصول عليه بقوته قد ظفر به عن طريق تسليم الذات والإيمان الراسخ. « هذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا » (1يوحنا 5: 4).ArMB 69.2