ان القدس الذي في السماء الذي يخدم فيه يسوع لاجلنا هو الاصل العظيم الذي كان القدس الذي بناه موسى على مثاله . لقد وضع الله روحه على الرجال الذين اقاموا القدس الارضي . فالمهارة الفنية التي استخدمت في صنعه كانت مظهرا لحكمة الله . كان للجدران مظهر الذهب الخالص، ومن كل جهة تنعكس عليه أنوار السرج السبعة للمنارة الذهبية . وكانت مائدة خبز التقدمة ومذبح البخور يلمعان كالذهب المصقول . والستارة الفاخرة البديعة التي كونت السقف والمشغولة بصور الملائكة بالاسمانجون والارجوان والقرمز، كل ذلك زاد من جمال المشهد . وخلف الحجاب الثاني كان الشكينا المقدس وهو مظهر مجد الله المنظور الذي لم يكن أحد غير رئيس الكهنة يدخل أمامه ويعيش. GC 456.1
ان بهاء المسكن الارضي الذي لا يبارى عكس أمام العيون البشرية امجاد ذلك الهيكل السماوي الذي فيه يخدم المسيح كسابق لأجلنا أمام عرش الله. انه المسكن الثابت الذي فيه ملك الملوك حيث الوف الوف تخدمه وربوات ربواتٍ وقوف قدامه (دانيال ٧ : ١٠)، ذلك الهيكل الممتلئ بمجد العرش الابدي حيث السرافيم حراسه اللامعون الذين يغطون وجوههم اكراما وتعبدا لم يستطيعوا ان يجدوا في افخم بناء اقامته يد انسان الا انعكاسا باهتا لعظمته ومجده. ومع ذلك فقد كانت توجد في القدس الارضي وخدماته حقائق مهمة للناس خاصة بالقدس السماوي والعمل العظيم الذي يجري فيه لفداء بني الانسان. GC 456.2
الاماكن المقدسة في القدس الذي في السماء يرمز اليها المسكنان اللذان في القدس الارضي. وقد رأى يوحنا الرسول في رؤيا منظر هيكل الله في السماء، فرأى ”امام العرش سبعة مصابيح نار متقدة“ (رؤيا ٤ : ٥). وقد رأى ملاكا ”معه مبخرة من ذهب وأعطي بخورا كثيرا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش“ (رؤيا ٨ : ٣). لقد سمح للنبي بأن يرى المسكن الاول من القدس الذي في السماء، ورأى هناك ”السبعة المصابيح التي من نار“، ”ومذبح الذهب“ اللذين كان يرمز اليهما المنارة ومذبح البخور اللذان في القدس الارضي. ومرة اخرى ”انفتح هيكل الله“ (رؤيا ١١ : ١٩) فتطلع في داخل الحجاب الداخلي الى قدس الاقداس . وهنا رأى ”تابوت عهده“ الذي كان يرمز اليه التابوت المقدس الذي صنعه موسى لتوضع فيه شريعة الله. GC 456.3
وهكذا وجد الذين كانوا يدرسون الموضوع برهانا لا ينقض على وجود قدس في السماء . لقد صنع موسى القدس الارضي حسب مثال اظهر له . وقد علمنا بولس ان المثال هو القدس الحقيقي الذي في السماء . ويوحنا يشهد بأنه قد رآه في السماء. GC 457.1
في الهيكل الذي في السماء، مسكن الله، عرشه المثبت بالبر والعدل . وفي قدس الاقداس توجد شريعته، القانون العظيم للحق الذي به يختبر كل الجنس البشري . والتابوت الذي فيه حفظ لوحا الشريعة يغطيه الغطاء (كرسي الرحمة) الذي امامه يتوسل المسيح لاجل الخاطئ باستحقاق دمه . وهكذا يمثل اتحاد العدل بالرحمة في تدبير فداء الانسان . هذا الاتحاد لم يكن في وسع غير الحكمة الالهية غير المحدودة ان تب تكره وغير القدرة الالهية غير المحدودة ان تتممه. انه اتحاد يملأ قلوب كل سكان السماء بالدهشة والتمجيد لله . يمثل الكروبان اللذان كانا في القدس الارضي ينظران بوقار الى كرسي الرحمة، الاهتمام الذي به يتأمل الاجناد السماويون في عمل الفداء . هذا هو سر الرحمة الذي تشتهي الملائكة ان تطلع عليه: ان الله يستطيع ان يكون بارا فيما يبرر الخاطئ التائب، وهو يجدد معاشرته لجنسنا الساقط وشركته معه، وان المسيح امكنه ان يتنازل ليرفع جماهير لا حصر لها من هاوية الهلاك ويلبسهم ثياب بره النقية ليجمع بينهم وبين الملائكة الذين لم يسقط وا قط، وليعيشوا الى الابد في حضرة الله. GC 457.2