وفي المثل الوارد في متى ٢٢ تمثِّل صورة العرس نفسها الدينونة الاستقصائية (التحقيقية) بكل وضوح على انها تحدث قبل العرس . فقبل الزفاف يدخل الملك لينظر المدعوين و ليرى هل كلهم لابسون ثوب العرس، ثوب الخلق الذي بلا عيب المغتسل والمبيض في دم الخروف (متى ٢٢ : ١١ ؛ رؤيا ٧ : ١٤). فمن وجد مقصرا في هذا وليس عليه لباس العرس يطرح خارجا، ولكن كل من وُجدوا بعد الفحص ان عليهم لباس العرس يقبلهم الله ويحسبهم اهلا لنصيب في ملكوته و يجلسون معه في عرشه . ان عمل امتحان الخلق هذا والحكم في من هم متأهبون لملكوت الله هو حكم الاستقصاء او دينونة الفحص، والعمل الختامي في القدس السماوي. GC 470.1
وعندما تنتهي عملية فحص قضايا كل الذين اعترفوا مدى الأجيال بانهم اتباع المسيح، فبعد الحكم في هذا وليس قبله ينته ي زمن النعمة ويغلق باب الرحمة. وهكذا ففي هذه الجملة القصيرة القائلة: ”والمستعدات دخلن معه الى العرس واغلق الباب“ نُحمل من خدمة المخلص الختامية الى الوقت الذي فيه يتم العمل العظيم لخلاص الانسان. GC 470.2
في خدمة القدس الارضي، التي كما وقد رأينا ترمز الى خدمة الق دس السماوي، عندما كان رئيس الكهنة يدخل قدس الاقداس في يوم الكفارة كانت تبطل الخدمة في المسكن الاول . لقد امر الله قائلا: ”ولا يكن انسان في خيمة الاجتماع من دخوله للتكفير في القدس الى خروجه“ (لاويين ١٦ : ١٧). وهكذا عندما دخل المسيح قدس الاقداس ليمارس عمل الكفارة الختامي كف عن خدمته في المسكن الاول . ولكن عندما انتهت الخدمة في المسكن الاول بدأت الخدمة في المسكن الثاني . وفي الخدمة الرمزية عندما ترك رئىس الكهنة القدس في يوم الكفارة دخل ليمثل في حضرة الله ويقدم دم ذبيحة الخطيئة لأجل كل اسرائيل الذين تا بوا توبة صادقة عن خطاياهم . وكذلك كان المسيح قد أكمل جزءاً فقط من عمله كشفيعنا ليدخل على جزء آخر من عمله وكان لا يزال يتوسل باستحقاق دمه امام الآب لأجل الخطاة. GC 470.3
هذا الموضوع لم يفهمه الادفنتست في عام ١٨٤٤. فبعدما مر الوقت الذي كان يُنتظر فيه مجيء المخلص، كانو ا لا يزالون يعتقدون بقرب مجيئه . كانوا يعتقدون انهم قد وصلوا الى أزمة مهمة وأن عمل المسيح كشفيع الانسان أمام الله قد انتهى . وخُيِّل اليهم انه يوجد تعليم في الكتاب يفيد بأن فرصة اختبار الانسان (أي زمن النعمة) تنتهي قبل مجيء الرب الفعلي في سحاب السماء بوقت ق صير. وهذا بدا واضحا من الآيات التي تشير الى وقت فيه يطلب الناس ويقرعون ويصرخون في طلب الرحمة وهم واقفون امام بابها من دون ان يُفتح. وقد كان السؤال الذي واجههم هو ما اذا كان الموعد الذي كانوا يتوقعونه لمجيء المسيح لن يحدِّد بالحري بدء هذه الفترة التي كانت س تسبق مجيئه مباشرة. فاذ كانوا قد قدموا الانذار بقرب الدينونة احسوا بأن عملهم لأجل العالم قد كمل ولم يعودوا يشعرون بثقل مسؤولية النفوس لخلاص الخطاة بينما بدا لهم ان تجاديف الفجار وسخريتهم الجريئة كانت برهانا آخر على ان روح الله قد انسحب بعيدا من رافضي رحمته . كل هذا ثبّت اعتقادهم ان الاختبار (او زمن النعمة) قد انتهى او، كما عبروا عنه، ”ان باب الرحمة قد اغلق“. GC 471.1
لكنّ نورا اوضح اشرق عليهم عند فحص مسألة القدس . فلقد رأوا الآن انهم كانوا على صواب في اعتقادهم ان نهاية ال ٢٣٠٠ يوم في عام ١٨٤٤ حدَّدت ازمة مهمة. فمع انه كان صحيحا ان باب الرجاء والرحمة، الذي ظل الناس طوال ١٨٠٠ سنة يستطيعون بواسطته ان يجدوا طريقا للاتيان الى الله قد أغلق، فقد فتح باب آخر وقدم الى الناس غفران لخطاياهم بشفاعة المسيح في قدس الاقداس. لقد انتهى جزء من خدمته لكي يعطي المجال لجزء آخر . كان لا يزال يوجد ”باب مفتوح“ الى القدس السماوي حيث كان المسيح يخدم لأجل الخاطئ. GC 471.2
وقد وجد حينئذ تطبيق قول المسيح في سفر الرؤيا الذي به يخاطب الكنيسة في عصرنا الراهن اذ يقول: ”هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا احد يغلق ويغلق ولا احد يفت ح. انا عارف اعمالك . هنذا قد جعلت امامك بابا مفتوحا ولا يستطيع احد ان يغلقه“ (رؤيا ٣ : ٧ و ٨). GC 471.3
ان الذين بالايمان يتبعون يسوع في عمل الكفارة العظيم هم الذين يستفيدون من وساطته لأجلهم، بينما الذين يرفضون النور الذي يكشف عن عمل هذه الخدمة لا يستفيدون منه ا. ان اليهود الذين رفضوا النور المعطى لهم عند مجيء المسيح الاول ورفضوا الايمان به كمخلص العالم لم يستطيعوا نوال الغفران بواسطته . وعندما دخل يسوع بدمه الى القدس السماوي عند صعوده ليسكب على تلاميذه بركات وساطته تُرك اليهود للظلمة الشاملة المدلهمة ليداوموا على تقديم ذبائحهم وقرابينهم التي لا جدوى منه ا. لقد انتهت خدمة الرموز والظلال . فذلك الباب الذي وجد الناس بواسطته قديما طريقا للدنو من الله لم يعد مفتوح ا. لقد رفض اليهود ان يطلبوا الرب بالوسيلة الوحيدة التي كان يمكن ان يوجد بها حينئذ عن طريق الخدمة في القدس السم اوي. ولذلك لم يجدوا شركة مع الله . لقد كان الباب موصدا امامهم . فلم تكن لهم معرفة بالمسيح كالذبيحة الحقيقية والوسيط الوحيد امام الله، ولهذا لم يستطيعوا ان يتمتعوا بفوائد وساطته. GC 472.1
ان حالة اليهود غير المؤمنين تصور لنا حالة العديمي الاكتراث والعديمي الايمان بين المعترفين بالمسيح الذين يصرون على البقاء في جهلهم عمل رئيس كهنتنا الرحيم . وفي الخدمة الرمزية عندما كان رئيس الكهنة دخل قدس الاقداس كان يطلب من جميع اسرائيل ان يجتمعوا حول القدس وبكل وقار مقدس يذللون انفسهم امام لله لكي ينالوا غفرانا لخطاياهم ولا يقطعون من بين الجماعة . فكم بالاحرى يليق بنا وكم هو جوهري لنا في يوم الكفارة المرموز اليه ان ندرك عمل رئيس كهنتنا الاعظم ونعرف الواجبات المطلوبة منا. GC 472.2
ان الناس لا يمكنهم ان يرفضوا انذار الله الذي يرسله اليهم في رحمته من دون ان يعاقبو ا. لقد قدمت رسالة من السماء الى العالم في ايام نوح، وكان خلاصهم متوقفا على الكيفية التي بها يتجاوبون مع تلك الرسالة . فلأنهم رفضوا الانذار انسحب روح الله بعيدا من الجنس الخاطئ فهلكوا بمياه الطوفان . وفي عهد ابراهيم كفت الرحمة عن التوسل الى سكان سدوم الأثمة، وهلك الجميع محترقين بالنار التي امطرتها عليهم السماء ما عدا لوطا وامرأته وابنتيه . كذلك في عهد المسيح . لقد أعلن ابن الله لليهود غير المؤمنين في ذلك الجيل قائلا لهم : “ هوذا بيتكم يترك لكم خرابا“ (متى ٢٣ : ٣٨). فلدى التطلع عبر الاجيال الى الايام الاخيرة تعلن قدرة الله غير المحدودة عن الذين “ لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا ” قائلة: ”لأجل هذا سيرسل اليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب. لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالاثم“ (٢ تسالونيكي ٢ : ١٠ — ١٢). فاذ يرفضون تعاليم كلمته فالله سيسحب منهم روحه ويتركهم للضلال الذي قد احبوه. GC 472.3
لكنّ المسيح لا يزال يتوسط لأجل الانسان وسيعطي النور لمن يطلبونه . ومع ان المجيئيين لم يفهموا هذا اولا فقد اتضح لهم في ما بعد عندما وضحت لهم الاقوال الالهية التي تحدد موقفهم الحقيقي. GC 473.1
ان مرور الزمن في عام ١٨٤٤ تبعته فترة محنة عظيمة للذين ظلوا متمسكين بعقيد ة المجيء . والشيء الوحيد الذي خفف عنهم وأراحهم في ما يختص بموقفهم الحقيقي كان النور الذي ارشد عقولهم الى القدس السماوي . وهد هجر البعض ايمانهم بحسبانهم السابق للفترات النبوية ونسيوا التأثير القوي لعمل الروح القدس الذي رافق حركة المجيء الى عوامل بشرية أو شيطانية. لكنّ فريقا آخر ثبتوا على الاعتقاد بان الرب كان مرشدا لهم في اختبارهم السابق. وعندما انتظروا ساهرين ومصلين في طلب معرفة ارادة الله رأوا أن رئيس كهنتهم العظيم قد شرع في عمل خدمة آخر، واذ اتبعوه بالايمان قادهم ذلك الى ان يروا ايضا عمل الكنيسة النهائي . وقد صار لهم ادراك اوضح لرسالة كل من الملاكين الاول والثاني وباتوا مستعدين لقبول الانذار الخطير المتضمن في رسالة الملاك الثالث المذكورة في رؤيا ١٤ ، وتقديمه الى العالم. GC 473.2