إن قانون الطبيعة العقلية والروحية كلتيهما أن الانسان يتغير بالرؤية . والعقل يكيِّف نفسه بالتدريج مع المواضيع التي يُسمح له بالتأمل فيه ا. وهو يصير مشاكلا لما يعتاد ان يحبه ويوقره . والانسان لن يستطيع ان يرتفع او يسمو فوق النموذج الذي اتخذه لنفسه لل طهارة او الصلاح او الحق . فاذا كانت الذات هي مثله الاعلى فلن يبلغ الى ما هو اسمى من ذلك . بل سينحدر بالحري الى الدرك الأسفل . لكنّ نعمة الله وحدها هي التي تستطيع بأن تسمو بالانسان . اما اذا ترك وشأنه فلا بد من ان ينحدر الى الدرك الاسفل. GC 603.2
تقدم عقيدة مناجاة الار واح نفسها الى المنغمس في الملذات ومحب المسرات والشهواني متخفيَّة تحت قناع أقل احتيالا ودهاء من ذاك الذي تغشي ذاتها به امام من هم أكثر تهذيبا وثقافة، وفي اشكالها الاكثر سماجة يجدون ما يتفق مع ميلهم . ان الشيطان يدرس كل دليل على الضعف في الطبيعة البشرية ويلاحظ الخطايا التي يميل كل فرد الى ارتكابها، وحينئذ يحرص على توفير الفرص لاشباع ذلك الميل الى الشر . وهو يجرب الناس للافراط في ما هو مشروع في ذاته، وبذلك يُضعف قواهم الجسمانية والعقلية والادبية . لقد أهلك وما زال يهلك آلافا من الناس بواسطة الانغماس في الشهوات، و هكذا يجعل كل طبيعة الانسان بهيمية . ولكي يتمم عمله يعلن عبر الارواح ان ”المعرفة الحقيقية تجعل الانسان في وضع ارفع من كل الشرائع“، وان ”ما يكون هو صواب“ وان ”الله لا يدين“ وان ”كل الخطايا التي ترتكب هي بريئة“. وعندما ينساق الناس الى الاعتقاد ان الرغبة هي اسمى قانون، وان الحرية هي الإباحية وان الانسان مسؤول امام نفسه فقط فمن ذا الذي يستغرب عندما يتكاثر الفساد والانحطاط في كل مكان ؟ ان جماهير كثيرة من الناس يتقبلون بكل شغف التعاليم التي تترك لهم حرية إطاعة ايحاءات قلوبهم الشهوانية . فحبل التعفف وضبط النفس يلقى على غارب الشهوة، وتخضع قوى العقل والنفس للنوازع الحيوانية، وهكذا يطرب الشيطان ويفرح عندما يوقع في شبكته آلافا ممن يعترفون بأنهم أتباع المسيح. GC 603.3
ولكن لا حاجة بأحد الى ان ينخدع بالادعاءات الكاذبة التي يتشدق بها المتصلون بالارواح . لقد أعطى الله العالم نور ا كافيا به يستطيع الناس ان يكتشفوا الشرك. وكما قد برهنا من قبل نقول الآن ان النظرية التي هي اساس مناجاة الارواح هي في حال حرب مع أبسط اقوال الكتاب . فالكتاب يعلن ان الموتى لا يعلمون شيئا وان افكارهم قد هلكت وان لا نصيب لهم في كل ما عمل تحت الشمس، وانهم لا يع لمون شيئا عن افراح الذين كانوا أعز الناس عليهم على الارض، ولا عن احزانهم. GC 604.1