وأكثر من هذا فقد نهى الله نهيا صريحا عن كل ادعاء بالاتصال بأرواح الراحلين. وقد كان في أيام العبرانيين فريق من الناس يدعون ان لهم اتصالا بالموتى كما يدعي المتصلون بالارواح اليوم . لكنّ ”ارواح العرافة“، كما كان يُدعى القادمون من العوالم الاخرى، يصفها الكتاب ب ”ارواح شياطين“ ( قارن ما ورد في سفر العدد ٢٥: ١ — ٣ ؛ مزمور ١٠٦ : ٢٨ ؛ ١ كورنثوس ١٠ : ٢٠ ؛ رؤيا ١٦ : ١٤). ان عمل التعاطي مع ارواح العرافة حكم ع ليه بانه رجس امام الرب وقد نهي عنه نهيا علنيا قاطعا تحت قصاص الموت (لاويين ١٩ : ٣١ ؛ ٢٠ : ٢٧) واسم العرافة او السحر نفسه يقابل اليوم بكل ازدراء. والادعاء بأن الناس يمكنهم ان يتصلوا بالارواح الشريرة يعتبر خرافة من خرافات العصور المظلمة . لكنّ مناجاة الارواح التي يبلغ عدد معتنقيها مئات الالوف بل الملايين والتي شقت لنفسها طريقا في الاوساط العلمية وغزت الكنائس ووجدت قبولا من الهيئات التشريعية وحتى في بلاط الملوك، هذه الخدعة الهائلة إن هي الا انتعاش في زي جديد للعرافة المحكوم عليها والمنهي عنه ا منذ القدم. GC 604.2
واذا لم يكن هناك بينّة اخرى على الصفة الحقيقية لمناجاة الارواح فيكفي المسيحي ان يعلم ان الارواح لا تفرق بين البر والخطيئة وبين أنبل رسل المسيح واطهرهم وأنجس عبيد الشيطان . فاذ يصورون ارذل الناس على انهم في السماء ولهم فيها مكانة رفيعة فالشيط ان يقول للعالم: ”مهما كنتم اشرارا جدا وسواء أكنتم تؤمنون بالله والكتاب ام كنتم تكذبونهما فذلك ليس بالامر الخطير . عيشوا كما يحلو لكم فالسماء هي موطنكم“. ان المعلمين الروحانيين يعلنون في الواقع قائلين: ”كل من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب وهو يسر بهم . او اين اله العدل“ (ملاخي ٢ : ١٧). وقد قالت كلمة الله: ”ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما“ (اشعياء ٥ : ٢٠). GC 605.1
يصوَّر الرسل الذين تقلدهم هذه الارواح الكاذبة كمناقضين لما قد كتبوه بوحي الروح القدس حين كانوا عائشين على الارض، وناكرين ان مصدر الكتاب هو الله، وهكذا يقوضون اساس الرجاء المسيحي ويطفئون النور الذي يكشف عن طريق السماء . ويوعز الشيطان الى العالم بأن الكتاب المقدس مجرد اوهام، او على الاقل لا يصلح للجنس البشري الا في ايام طفولته الاولى، اما الآن فيجب ان يستخف به او يلقى به جانبا كما لو كان شيئا مهملا . وفي مكان كلمة الله يعرض الشيطان الظهورات الروحانية، وهي سبيل للتعبير تحت سيطرته الكاملة، بها يستطيع ان يجعل العالم يعتقد بما يريد هو . فيضع في الظل الكت اب الذي سيدينه وتابعيه واعوانه، محققا بذلك رغبته . وهو يجعل مخلص العالم لا يزيد عن انسان عادي . وكما ان عساكر الرومان الذين كانوا يحرسون قبر يسوع نشروا الخبر الكاذب الذي لقنهم اياه الكهنة والشيوخ ليكذبوا نبأ قيامته كذلك يحاول من يؤمنون بالاعلانات الروحانية ان يجعلوا الامر يبدو كما لو انه لا يوجد شيء عجائبي في ظروف حياة مخلصنا. فبعدما يحاولون بهذه الطريقة ان يضعوا يسوع في المؤخرة يوجهون انظار الناس الى معجزاتهم هم ويعلنون انها تفوق معجزات المسيح بمراحل. GC 605.2