والخادم الذي ضحى بالحق للظفر برضى الناس يكتشف الآن صفة تعاليمه وأثرها. ويبدو ان العين التي ترى وتعرف كل شيء كانت تراقبه وهو يقف في منبره أو يذرع الشوارع أو يختلط بالناس في مشاهد الحياة المختلفة . فكل انفعال في النفس، وكل سطر كُتب، وكل كلمة قيلت، وكل عمل ساق الناس الى ان يستريحوا في ملجإ الاكاذيب، كل ذلك كان بم ثابة القاء البذار، والآن ففي كل نفس شقية هالكة حوله يرى الحصاد. GC 707.3
لقد قال الرب: ”يشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام“، ”لانكن احزنتنَّ قلب الصديق كذبا وانا لم أحزنه وشددتن ايدي الشرير حتى لا يرجع عن طريقه الرديئة فيحيا“ (ارميا ٨ : ١١ ؛ حزقيال ١٣ : ٢٢). GC 708.1
”ويل للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتي يقول الرب ! ... هأنذا أعاقبكم على شر أعمالكم“. ”ولولوا أيها الرعاة واصرخوا وترنموا يا رؤساء الغنم لان أيامكم قد كملت للذبح وأبددكم ... ويبيد المناص عن الرعاة والنجاة عن رؤساء الغنم“ (ارميا ٢٣ : ١ و ٢ ؛ ٢٥ : ٣٤ و ٣٥). GC 708.2
ويرى الخدام والشعب انهم لم يحتفظوا بعلاقتهم الصائبة بالله بل تمردوا على معطي كل شريعة عادلة بارة . وقد نشأ عن طرح الوصايا الالهية جانبا ظهورُ آلاف من منابع الشر والنزاع والخصومات والكراهية والاثم حتى لقد امست الارض ميدان حرب عظيمة واسع ة النطاق وبؤرة للأثم . هذا هو المنظر الذي يبدو الآن لعيون من قد رفضوا الحق واختاروا الضلال واحتضنوه . ولا تستطيع لغة ان تصف الشوق الذي يحس به العصاة والخونة للحصول على ما قد خسروه الى الابد: الحياة الابدية . والناس الذين عبدهم العالم لاجل مواهبهم وفصاحتهم ير ون هذه الاشياء على حقيقتها الآن . ويتحققون من طبيعة ما قد خسروه بعصيانهم وينطرحون تحت أقدام الذين قد احتقروا ولاءهم وسخروا باخلاصهم ويعترفون بان الله قد احبهم. GC 708.3
وسيرى الناس انه قد غُرر بهم، ويتهم احدهم الآخر بانه هو الذي قاده الى الهلاك، ولكنهم يتفقون جميع ا على توجيه أمرَّ الأدانة واللوم الى الخدام . فالرعاة غير الأمناء قد تنبأوا لهم بالناعمات وجعلوا سامعيهم يستهينون بشريعة الله ويضطهدون الذين أرادوا ان يحفظوها مقدسة . فهؤلاء المعلمون، في يأسهم الآن، يعترفون أمام العالم بان عملهم كان عمل الخداع فتمتلئ قلوب جم اهير الناس بثورة غضب واهتياج ويصرخون قائلين: ”لقد هلكنا ! وانتم علة هلاكنا“، ثم يهجمون على الرعاة الكذبة . والناس انفسهم الذين اعجبوا بهم قبلا أعظم اعجاب سيقذفونهم بأرهب اللعنات . والايدي ذاتها التي كللتهم من قبل باكليل الفخر ستمتد الآن لأهلاكهم . والسيوف التي كانت معدة لقتل شعب الله تُستخدم الآن لاهلاك أعدائهم. وفي كل مكان توجد الحروب وسفك الدماء. GC 708.4
”بلغ الضجيج الى أطراف الارض لان للرب خصومة مع الشعوب هو يحاكم كل ذي جسد . يدفع الاشرار للسيف يقول الرب“ (ارميا ٢٥ : ٣١). فعلى مدى ستة آلاف سنة ظل الصراع العظيم محتدما: ابن الله ورسله السماويون كانوا في حالة حرب مع قوة الشرير لكي ينذروا وينيروا ويخلصوا بني الانسان . والآن قد قر قرار الجميع واتحد الاشرار اتحادا كاملا مع الشيطان في حربه ضد الله . والآن جاء الوقت الذي فيه يزكي الله سلطان شريعته المدوسة بالاقدام . والآن لم يعد الصراع قاصرا على الشيطان بل صار صراعا مع الناس . ان ”للرب خصومة مع الشعوب“، ”يدفع الاشرار للسيف“. GC 709.1
وان سمة النجاة قد وُضعت على جباه ”الذين يئنون ويتنهدون على كل النجاسات المصنوعة“. والآن فها ملاك الموت يخرج ويُرمز اليه في رؤيا حزقيال بالرجال الذين بايديهم عدتهم الساحقة والذين صدر اليهم الامر: ”الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، اقتلوا للهلاك . ولا تقربوا من انسان عليه السمة وابتدئوا من مقدسي“. والنبي يقول: ”فابتدأوا بالرجال الشيوخ الذين امام البيت“ (حزقيال ٩: ١ — ٦). ان عملية الهلاك تبدأ بالذين اعترفوا بانهم حراس الشعب الروحيون . فالحراس الكذبة هم أول الهالكين . ولا يوجد من يشفق أو يبقي عليهم. فالرجال والنساء والعذارى والاطفال يهلكون معا. GC 709.2
”لانه هو الرب يخرج من مكانه ليعاقب اثم سكان الارض فيهم فتكشف الارض دماءها ولا تغطي قتلاها في ما بعد“ (اشعياء ٢٦ : ٢١). ”وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرب كل الشعوب الذين تجندوا على أورشليم. لحمهم يذوب وهم واقفون على اقدامهم وعيونهم تذوب في أوقابها ولسانهم يذوب في فمهم . ويكون في ذلك اليوم ان اضطرابا عظيما من الرب يح دث فيهم فيمسك الرجل بيد قريبه وتعلو يده على يد قريبه“ (زكريا ١٤ : ١٢ و ١٣ ). ففي الحرب الجنونية التي فيها تصطرع اهواؤهم العنيفة، وفي انسكاب غضب الله الصرف الرهيب يسقط سكان الارض الاشرار من الكهنة والحكام والشعب والاغنياء والفقر اء والعالي والدون، ”وتكون قتلى الرب في ذلك اليوم من أقصاء الارض الى اقصاء الارض لا يُندبون ولا يُضمون ولا يُدفنون“ (ارميا ٢٥ : ٣٣). GC 709.3
عند مجيء المسيح يُمحى الاشرار عن وجه كل الارض فيبيدهم بنفخة فمه ويهلكهم ببهاء مجده . وسيأخذ المسيح خاص ته الى مدينة الله، وتُفرغ الارض من سكانه ا. ”هوذا الرب يخلي الارض ويفرغها ويقلب وجهها ويبدد سكانها“، ”تفرغ الارض افراغا وتنهب نهبا لان الرب قد تكلم بهذا القول“، ”لانهم تعدوا الشرائع غيروا الفريضة نكثوا العهد الابدي . لذلك لعنة اكلت الارض وعوقب الساكنون فيها لذلك احترق سكان الارض“ (اشعياء ٢٤ : ١ و ٣ و ٥ و ٦). GC 710.1
وتبدو الارض كلها كقفر خرب . فخرائب المدن والقرى التي دمرتها الزلزلة، والاشجار المقتلعة، والصخور الخشنة التي قذفها البحر أو اقتُلعت من الارض نفسها تتبعثر على سطحها، بينما توجد كهوف واس عة تبين الاماكن التي فيها اقتُلعت الجبال من اساساتها. GC 710.2