وفي الهيكل قابل يسوع الرجل الذي كان قد شفاه. لقد أتى لكي يقدم ذبيحة خطية وتقدمة شكر على الرحمة العظيمة التي قد حصل عليها . وإذ وجده يسوع بين العابدين عرفه بنفسه إذ قدم له هذا الإنذار قائلا: “ها أنت قد برئت، فلا تخطئ أيضاً، لئلا يكون لك أشر” (يوحنا 5 : 14). ML 181.3
فرح الرجل الذي شفي فرحا عظيما عند مقابلته لمحرره وشافيه. وحيث أنه كان يجهل أن الفريسيين يضمرون العداوة ليسوع أخبرهم أن يسوع هو الذي شفاه “ولهذا كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه، لأنه عمل هذا في سبت” (يوحنا 5 : 16). ML 182.1
وقد جيء بيسوع أمام السنهدريم لاستجوابه في تهمة كسره ليوم السبت. لو كان اليهود أمة مستقلة في ذلك الحين لكانت تلك التهمة كافية لأن تخدم غرضهم في قتل المسيح . ولكن استعبادهم للرومان حال دون ذلك . فلم يكن لليهود السلطان لإيقاع عقوبة الإعدام .والتهم الموجهة إلى يسوع لم يمكن لها أي اعتبار في نظر القضاء الروماني . ومع ذلك فقد كانوا يرجون الوصول إلى أغراض أخرى . فبالرغم من محاولة أولئك الرؤساء عرقلة المسيح وتعطيل عمله فإن نفوذه على الشعب حتى في أورشليم نفسها كان أعظم من نفوذهم . وجماهير الشعب الذين لم تكن تعجبهم خطب المعلمين اجتذبتهم تعاليم يسوع . لقد استطاعوا أن يفهموا كلامه فانتعشت قلوبهم وتعزت ، فلقد حدثهم عن الله لا على أنه ديان منتقم بل كمن هو أب رحيم ، وأعلن عن صورة الله منعكسة على وجهه . وكان كلامه بلسانا شفى أرواحهم الجريحة . وبكلامه وأعمال رحمته كان يسحق سلطان التقاليد القديمة ووصايا الناس ويقدم للشعب محبة الله التي لا ينضب معينها. ML 182.2
من بين أقدم النبوات الواردة عن المسيح نجد هذه النبوة القائلة: “ لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب” (تكوين 49: 10). كان الشعب يتجمهر حول المسيح . إن قلوب الجماهير الرقيقة قبلت تعاليمه عن المحبة والإحسان إذ آثروها على الطقوس الصارمة التي كان الكهنة يفرضونها عليهم . ولولا تدخل الكهنة والمعلمين لأحدثت تعاليم يسوع إصلاحات عظيمة لم يسبق لهذا العالم أن شهدها . ولكن هؤلاء القادة إبقاءً على سلطانهم صمموا على ملاشاة تأثير يسوع . وإن محاكمته أمام مجمع السنهدريم وإدانتهم لتعاليمه جهارا كان يمكن أن تحقق لهم غرضهم ، لأن الشعب كانوا لا يزالون يضمرون الاحترام العظيم لقادتهم الدينيين . فالذي كان يجرؤ على ذم وصايا أولئك المعلمين أو يحاول التخفيف من الأحمال التي وضعوها على كاهل الشعب كان يعتبر مجرما ليس فقط بتهمة التجديف بل أيضا بتهمة الخيانة . فعلى هذا الأساس كان أولئك المعلمون يؤملون أن يثيروا الشبهات حول المسيح . لقد صوروه على أنه يحاول أن يقلب العادات الثابتة ، وهكذا يحاول إحداث شقاق في صفوف الشعب ويمهد الطريق لإخضاع الشعب للرومان إخضاعا كاملا. ML 182.3
ولكن تلك الخطط التي كان أولئك الرؤساء يرسمونها بكل غيرة ويعدون العدة لتنفيذها كانت قد نوقشت من قبل في مجلس سابق لمجمع السنهدريم. فبعدما أخفق الشيطان في الانتصار على المسيح في البرية حشد جيوشه لمقاومة خدمته ، وإن أمكن أن يعطل عمله . فما لم يستطع إنجازه بمساعيه الشخصية المباشرة حاول تحقيقه بالحيلة . وما أن انسحب من ميدان الصراع في البرية يجر أذيال الخذلان حتى اجتمع مع حلفائه الأبالسة وأكمل خططه في تعمية عقول الشعب اليهودي أكثر فأكثر حتى لا يعرفوا فاديهم ، كما فكر في أن يعمل بواسطة أتباعه البشريين في المحيط الديني بكونه يملأ قلوبهم بالعداوة التي يضمرها هو للمناضل عن الحق . وسيجعلهم يرفضون المسيح وسيمرر حياته إلى الدرجة القصوى على أمل أن يثبط من عزيمته حتى لا يقوم بمهمته . فصار رؤساء إسرائيل آلات في يد الشيطان لمحاربة المخلص. ML 183.1