لم يرد يوحنا أن يناقش تلاميذه في أمر شكوكه ومخاوفه. وقد عزم على إرسال رسالة إلى يسوع . فوكَّل إلى اثنين من تلاميذه أمر هذه الرسالة على أمل أن لقاءهما مع المخلص سيثبت إيمانهما ويجيء باليقين إلى إخوتهما . وقد تاق إلى رسالة يرسلها المسيح إليه مباشرة. ML 195.3
فأتى التلميذان إلى يسوع بتلك الرسالة القائلة “ أنت هو الآتي أن ننتظر آخر؟” (متى 11: 3). ML 195.4
منذ عهد قريب أشار المعمدان إلى يسوع وصاح قائلا: “ هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم!” ، “هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدّامي” (يوحنا 1 : 29، 27). وعقب ذلك سأل: “أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟” لقد كان أمرا محزناً حقاً ومفشلاً للطبيعة البشرية. فإذا كان يوحنا السابق الأمين قد أخفق في إدراك مهمة المسيح فماذا ننتظر من الشعب الذي يطلب ما لنفسه ML 195.5
لم يجب المخلص عن سؤال ذينك التلميذين في الحال. فإذ وقفا مندهشين من صمته كان المرضى والمتألمون يأتونه في طلب الشفاء . وكان العمي يتلمسون في وسط الجموع ، وكذلك المرضى من كل الطبقات بعضهم يأتونه سيرا على أقدامهم وآخرون يحملهم أصدقاؤهم والجميع يزحمون غيرهم ليأتوا أمام يسوع. فكان صوت ذلك الشافي القديم يخترق آذان الصم بكلمة منه . وبلمسة من يده ارتد العمي مبصرين يرون نور النهار ومناظر الطبيعة ووجوه الأصدقاء ووجه من قد شفاهم ، وهكذا كان يسوع ينتهر المرض ويطرد الحمى . وقد وصل صوته إلى آذان الموتى فقاموا في ملء الصحة والشفاه . والمفلوجون المجانين أطاعوا كلمته وإذ زايلهم جنونهم خروا وسجدوا له . وفيما كان يشفي أمراضهم كان يعلم الجموع . والفلاحون والفعلة المساكين الذين كان المعلمون يطردونهم كما لو كانوا نجسين تجمهروا يزحمونه ، فكان يخاطبهم بكلام الحياة الأبدية وهكذا انقضى معظم النهار وتلميذا يوحنا ينظران ويسمعان كل شيء . أخيرا دعاهما يسوع إليه وأمرهما بأن يذهبا ويخبرا يوحنا بما قد رأيا وسمعا . وفى ختام حديثه معهما قال: “وَطُوبى لِمن لاَ يعثُر فيّ” (لوقا 7 : 23). لقد ظهر برهان ألوهيته في توافقه مع حاجات البشرية المتألمة . كما ظهر مجده في تنازله إذ أخذ جسدا كأجسادنا. ML 195.6