بعدما ذهب رسولاَ يوحنا جعل يسوع يخاطب الجموع عن يوحنا. كان قلب المخلص يعطف على ذلك الشاهد الأمين الذي كان سجينا في سجن هيرودس ، ولم يرد أن يترك الشعب في اعتقادهم بأن الله قد تركه أو أنه إيمانه لم يثبت في يوم الامتحان . فقال لهم : “ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحركها الريح؟” (متى 11 : 7). ML 197.2
كانت الأقصاب أو أعواد الغاب النامية بجانب الأردن تتحرك أمام هبات النسيم الخفيفة، وكانت تشبه تمام الشبه معلمي اليهود الذين وقفوا ينتقدون رسالة المعمدان ويدينونه. كانوا يتمايلون إلى هذه الناحية وتلك أمام رياح الرأي العام . لم يريدوا أن يتواضعوا ويقبلوا تلك الرسالة الفاحصة للقلوب التي نطق بها المعمدان ، ومع ذلك لم يجسروا على مقاومة عمله جهارا . ولكن رسول الرب ذاك لم يكن إنسان رعديدا جبان القلب . وتلك الجموع التي تجمهرت حول المسيح كانت خير شاهد على عمل يوحنا . لقد سمعوه يوبخ الخطية بلا خوف . لقد خاطب يوحنا جماعة الفريسيين الذين كانوا يحسبون أنفسهم أبرار والكهنة الصدوقيين والملك هيرودس ورجال بلاطه الأمراء والجنود والعشارين والفلاحين بصراحته المعهودة . لم يكن قصبة تحركها الريح إذ لم تؤثر فيه رياح مديح الناس أو تعصبهم . وفى السجن ظل ثابتا على ولائه وغيرته على البر كما كان عندما كرز برسالته في البرية . لقد كان أمينا لمبادئه وثابتا كالصخر. ML 197.3
ثم استطرد يسوع يقول: “ لكن ماذا خرجتم اتنظروا؟ إنساناً لابساً ثياباً ناعمة؟ هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك” (متى 11: 8). لقد دعي يوحنا ليوبخ الخطايا وعدم الاعتدال الذي كان متفشيا في عصره . فكان لباسه البسيط وحياة إنكار الذات التي عاشها على وفاق مع صبغة مهمته ورسالته . لا نصيب لخدام الله في الثياب الغالية والحلل البهية وترف الحياة . ولكنها من نصيب أولئك الذين يعيشون “في بيوت الملوك”، ورؤساء هذا العالم وسادته الذين لهم قد أعطي السلطان والغنى . وقد أراد يسوع أن يوجه انتباه الناس إلى البون الشاسع بين لباس يوحنا ولباس الكهنة والرؤساء . كان هؤلاء القادة يلبسون الثياب الفاخرة ويتحلون بأغلى الزينات . كانوا يحبون التظاهر ويحاولون أن يبهروا الشعب ، وبذلك يفرضون عليهم تقديم المزيد من التبجيل . كان شوقهم إلى الظفر بإعجاب الناس أعظم من شوقهم للحصول على طهارة القلب التي يرضى عنها الله . وهكذا برهنوا على عدم ولائهم لله بل لرئيس هذا العالم. ML 197.4