ظلت خطية هيرودس تلاحقه ، فكان دائما يبحث عن وسيلة تريحه من اتهامات ضميره. ولم تتزعزع ثقته بيوحنا . فإذ عاد بالذكرى إلى حياة إنكار الذات التي عاشها وإنذاراته الجادة الخطيرة ، وحكمه السليم ومشوراته الصائبة ، ثم إذ ذكر كيف عاجله الموت لم يكن الملك يجد راحة أو عزاء . فإذ انشغل في شؤون الدولة وكان يتقبل الكرامات من الناس كان يبدو على وجهه الابتسام وسيماء العظمة ولكنه كان يخفي بين جنبيه قلبا مثقلا بالحزن ومتطيرا ، وكان لا يفتأ يضايقه الخوف من أن اللعنة قد استقرت عليه. ML 202.2
كان هيرودس قد تأثر تأثرا عميقا من أقوال يوحنا التي تفيد بأنه لا يمكن إخفاء شيء عن عيني الله ، واقتنع بأن الله موجود في كل مكان وأنه قد شاهد السكر والعربدة في دار الوليمة وأنه سمعه يأمر بقطع رأس يوحنا ، ورأى هيروديا تبتهج وتتهلل ، كما رأى الإهانات التي قد صبتها على ذلك الرأس المفصول عن جسم النبي الذي كان يوبخها .وكثير من الأقوال التي قد سمعها هيرودس من فم النبي جعلت تتحدث إلى ضميره بأكثر وضوح وقوة مما كان وهو يستمع لوعظه في البرية. ML 202.3
وعندما سمع هيرودس عن أعمال المسيح انزعج انزعاجا عظيما ، وظن أن الله قد أقام يوحنا من الأموات وأرسله مزودا بقوة أعظم ليدين الخطية. فكان يلازمه خوف عظيم من أن يوحنا قد يثأر لموته بالحكم عليه وعلى بيته بالدينونة . لقد كان هيرودس يحصد ما قال الله أنه سيكون نتيجة حياة الخطية — “قلباً مرتجفاً وكلال العينين وذبول النفس. وتكون حياتك معلّقة قدّامك، وترتعب ليلاً ونهاراً ولا تأمن على حياتك. في الصباح تقول: يا ليته المساء، وفي المساء تقول: يا ليته الصباح، من ارتعاب قلبك الذي يرتعب، ومن منظر عينيك الذي تنظر” (تثنية 28 : 65 — 67). إن أفكار الخاطئ وخواطره هي التي تتهمه ، وليس هناك عذاب أقسى من وخزات الضمير المذنب التي لا تعطى صاحبها راحة ، ليلا ولا نهارا . ML 202.4