وإذ كان يسوع في المجمع تكلم عن الملكوت الذي قد أتى ليثبته ويوطد دعائمه وعن كونه مرسلا ليحرر أسرى الشيطان. وإذ به على حين فجأة يقاطع إذ سمعت في وسط ذلك السكون صرخة رعب عظيمة . وإذا برجل مجنون يندفع إلى الأمام من وسط الشعب صارخا وقائلا: “آه! ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟ أتيت لتهلكنا! أنا أعرفك أنت : قدوس الله!” (لوقا 4 : 34). ML 228.2
وقد حدث تشويش عظيم وامتلأت القلوب هلعا ورعبا ، وتحولت أنظار الناس بعيدا عن يسوع ولم يلتفت أحد إلى كلامه. كان هذا ما يبغيه الشيطان من إتيانه بذلك المجنون (فريسته) إلى المجمع. ولكن يسوع انتهر الشيطان قائلاً: “اخرس! واخرج منه! فصرعه الروح النجس وصاح بصوت عظيم خرج منه” (لوقا 4 : 35). ML 228.3
كان الشيطان قد أظلم وشوش عقل ذلك الرجل المعذب ، ولكن عندما مثل في حضرة المخلص تبددت الظلمة أمام شعاعة من نوره. لقد أوقظ شعوره لكي يتوق إلى التحرر من قوة الشيطان ، ولكن الشيطان قاوم سلطان المسيح . وعندما طلب معونة يسوع وضع الروح الشرير كلاما في فم الرجل فصرخ وهو معذب من الخوف . عرف ذلك المجنون جزئيا أنه في حضرة ذاك الذي يستطيع أن يحرره . ولكن عندما حاول أن يقترب لكي يكون في متناول تلك اليد القوية منعته إرادة أخرى أقوى منه ونطق شخص آخر بكلام أخر وضعه في فمه ، فكان الصراع بين قوة الشيطان وبين رغبة الرجل في التحرر منها صراعا رهيبا . ML 229.1
إن ذاك الذي قهر الشيطان في برية التجربة نراه الآن يقف أمام عدوه وجها لوجه .ولقد بذل الشيطان كل ما في طوقه من حيلة وقوة لإبقاء فريسته تحس تحت سلطانه. فلو تراجع الآن لانتصر يسوع . وقد بدا كأن ذلك الرجل المعذب سيفقد حياته في صراعه مع العدو الذي كان العامل الأكبر في ضياع رجولته . ولكن المخلص تكلم بسلطان وحرر ذلك الأسير ، ووقف ذلك الرجل الذي كان فيه الشيطان أمام الجمع المندهش فرحا بالحرية التي نالها وبقواه المعلية التي عادت إليه . حتى الشيطان نفسه شهد لقدرة ألوهية المخلص. ML 229.2
شكر ذلك الرجل الله على خلاصه. فتانك العينان اللتان كانتا ملتهبتين بنار الجنون صارت تشع منهما أنوار الفهم والذكاء وامتلأتا بدموع الشكر . وقد أبكمت الدهشة جمهورالشعب . فلما أفاق الناس من ذهولهم صرخوا قائلين: “ما هذا؟ ما هو هذا التعليم الجديد؟ لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه!” (مرقس 1 : 27). ML 229.3