وإذ كان يسوع في طريقه إلى بيت الرئيس التقى في وسط ذلك الجمع بامرأة مسكينة كانت قد تألمت مدى اثنتي عشرة سنة من مرض جعل حياتها عبئاً ثقيلا عليها. لقد أنفقت كل معيشتها على الأطباء والعقاقير ولكنهم أجمعوا على أن مرضها عديم الشفاء ، إلا أن آلامها انتعشت عندما سمعت عن معجزات الشفاء التي أجراها يسوع ، وقد كانت مؤمنة أنها لو ذهبت إليه فستشفى . ففي ضعفها وآلامها ذهبت إلى شاطئ البحر حيث كان السيد يعلم فحاولت أن تشق لنفسها طريقاً بين الجمع ولكن بلا جدوى . ثم سارت وراءه من بيت لاوي متى ولكنها مع ذلك لم تستطع الوصول إليه . فبدأ اليأس يتسلل إلى قلبها ، وإذا به وهو يسير في وسط ذلك الجمع يقترب منها. ML 321.4
لقد حانت فرصتها الذهبية . فها هي الآن في حضرة ذلك الطبيب العظيم! ولكن في وسط تلك الضجة العظيمة لم تستطع التحدث معه وإنما فقط لمحت منه نظرة عابرة . فلخوفها من أن تضيع فرصتها الوحيدة للشفاء تقدمت إلى الأمام قائلة لنفسها: “إن مسست ولو ثيابه شفيت” (مرقس 5 : 28). فإذ كان مارا في طريقه تقدمت إلى الأمام واستطاعت أن تلمس هدب ثوبه . وفي تلك اللحظة علمت أنها قد برئت من الداء . في تلك اللمسة تركز إيمان حياتها ، وفي الحال زايلها ضعفها وآلامها وامتلأ جسمها بقوة نشاط الصحة الكاملة. ML 322.1
وإذ امتلأ قلبها شكرا حاولت أن تتسلل بعيدا عن ذلك الجمع ، ولكن فجأة وقف يسوع في مكانه ووقف كل ذلك الجمع معه. ثم جعل السيد يتلفت هنا وهناك ، وبصوت علا فوق ضجيج الجمع سأل: “من الذي لمسني؟” (لوقا 8 : 45). فأجاب الناس عن هذا التساؤل بنظرات بدا فيها الاندهاش . فإذ كان الجمع يزحمه من كل جانب والناس يضيقون عليه ظهر أن ذلك السؤال كان سؤالا غريبا ML 322.2
وإذا ببطرس الذي كان دائما مستعدا للكلام يقول له: “يا معلّم، الجموع يضيّقون عليك ويزحمونك، وتقول: من الذي لمسني؟” (لوقا 8 : 45). فقال يسوع: “قد لمسني واحد، لأني علمت أن قوة قد خرجت مني” (لوقا 8 : 45). لقد استطاع المخلص أن يميز بين لمسة الإيمان وبين الاتصال العرضي من ذلك الشعب العديم الاكتراث . ومثل تلك الثقة لا يمكن أن تمر دون أن يعلق السيد عليها . إنه يريد أن يكلم تلك المرأة الوضيعة بكلام العزاء الذي سيصير نبع فرح ينبع من أعماقها- ذلك الكلام الذي سيكون بركة لتابعيه إلى انقضاء الدهر. ML 322.3
وإذ اتجه يسوع ببصره نحو تلك المرأة أصر على معرفة من قد لمسه ، فإذ وجدت المرأة أنها عبثا تحاول أن تختفي جاءت مرتعدة وخرت عند قدميه . وإذ كانت دموع الشكر تنهمر من عينيها أخبرته بقصة آلامها وكيف وجدت الشفاء . فقال لها بكل رقة: “ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاك، اذهبي بسلام” (لوقا 8 : 48). إنه لم يعط المجال للاعتقاد الخرافي بأن القوة الشافية أتت نتيجة مجرد لمس ثيابه . لقد وصل الشفاء إليها ليس بواسطة اللمس الخارجي بل بواسطة لمسة الإيمان التي تمسك بقوة ألوهيته. ML 322.4