فيما كان التلاميذ متغيبين في حملتهم الكرازية زار المسيح مدنا وقرى أخرى كارزا بإنجيل الملكوت. ونحو هذا الوقت وصله خبر موت المعمدان ، فأظهرت له هذه المأساة بكل جلاء النهاية التي كان هو سائرا إليها . كانت تتفاقم الظلمات وتتجمع حول طريقه ، فقد كان الكهنة والمعلمون يتحينون الفرص ليقضوا عليه بالموت ، وكان هنالك جواسيس يترصدون خطواته ، ومن كل جانب تجمعت القوات المتآمرة لإهلاكه . وقد بلغت مسمع هيرودس أنباء كرازة الرسل في كل أنحاء الجليل فثار اهتمامه بيسوع وبعمله . فقال الملك: “ هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات!” (متى 14 : 2). وكان يريد أن يرى يسوع . كان هيرودس يلازمه الخوف من أن تنشب ثورة في الخفاء يكون هدفها خلعه عن العرض و كسر نير الرومان عن أعناق الشعب اليهودي . كانت روح التذمر و الثورة متفشية بين الشعب. وقد بات واضحاً أن خدمات المسيح العلنية في الجليل لن يطول أمدها. و كانت مشاهد آلامه تدنو وتقترب ، ولهذا اشتاق إلى الاختلاء لبعض الوقت بعيداً عن ضجيج الجموع. ML 337.3
وبقلوب مثقلة بالحزن حمل تلاميذ يوحنا جثته ليدفنوها. “ ثم أتوا وأخبروا يسوع” (متى 14: 13). لقد حسد هؤلاء التلاميذ المسيح حين تراءى لهم أنه يبعد الشعب عن يوحنا . وقد انحازوا إلى جانب الفريسيين في اتهامه عندما جلس مع العشارين والخطاة على مائدة متى ، وساورتهم الشكوك في كونه مرسلا من قبل الله لأنه لم يطلق سراح يوحنا المعمدان. أما الآن وقد مات معلمهم وكانوا يتوقون إلى السلوان والعزاء عن حزنهم العظيم وإلى النصح والإرشاد فيما يختص بعملهم مستقبلا فقد أتوا إلى يسوع و ربطوا مصالحهم بمصالحه . وقد كانوا هم أيضاً في حاجة إلى فترة هدوء ليتحدثوا مع المخلص . ML 338.1