امتلأ أولئك المبعوثون القادمون من أورشليم غضبا. إنهم لم يستطيعوا أن يوجهوا إلى المسيح تهمة التعدي على شريعة الله المعطاة في سيناء لأنه دافع عنها وحارب تقاليدهم . فتلك الوصايا ، وصايا الناموس التي قدمها بدا الفرق عظيما ومدهشا بينهما وبين تلك الوصايا الحقيرة التي هي من اختراع الناس. ML 372.3
أوضح يسوع للشعب ، كما أوضح لتلاميذه بعد ذلك بكيفية أكمل ، أن النجاسة لا تأتي من الخارج بل من الداخل... إن الطهارة والنجاسة هما شيئان يختصان بالنفس. فالذي ينجس الإنسان ليس هو إهمال الطقوس الخارجية التي هي من صنع الناس ، ولكن الذي ينجسه هو الأعمال والأقوال والأفكار الشريرة والتعدي على شريعة الله. ML 373.1
لاحظ التلاميذ غضب الجواسيس عندما فضحت تعاليمهم الكاذبة. ولاحظوا النظرات الغاضبة وسمعوا تمتمات السخط والانتقام التي لم يجرؤا على النطق بها علانية . فإذ نسي التلاميذ المرات العديدة التي برهن المسيح فيها على أنه يعرف أفكار القلب كما لو كان يقرأ من كتاب مفتوح بين يديه أخبروه عن تأثير كلامه في أولئك الجواسيس . فإذ كانوا يرجون أنه سيسترضي أولئك المبعوثين الساخطين قالوا له: “أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا؟” (متى 15 : 12). ML 373.2
“ فأجاب وقال: كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يقلع” (متى 15: 13). إن العادات والتقاليد التي كان المعلمون يولونها أعظم اعتبار كانت من هذا العالم لا من السماء . ومهما كان سلطانها على الشعب عظيما فلا يمكنها أن تثبت أمام امتحان الله . فكل اختراع بشري يستعاض به عن وصايا الله سيظهر بطله وتفاهته وعدم جدواه في ذلك اليوم “لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة، على كل خفي، إن كان خيراً أو شراً” (جامعة 12 : 14). ML 373.3
إن إبدال وصايا الله بأوامر الناس لم ينته بعد. فحتى اليوم توجد بين المسيحيين قوانين وعادات لا أساس لها أكثر مما كان لتقاليد الآباء في إسرائيل . مثل تلك القوانين التي يسندها السلطان البشري قد احتلت مكان الشرائع التي أقرها الله . إن الناس يتعلقون بتقاليدهم ويوقرون عاداتهم ويضمرون الكراهية لمن يحاولون أن يبصروهم بخطئهم . ففي هذه الأيام عندما يطلب منا أن نسترعى انتباه الناس إلى وصايا الله وإيمان يسوع نرى نفس العداوة التي أظهرت في أيام المسيح . إنه مكتوب عن البقية الباقية من شعب الله: “فغضب التنين على المرأة، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله، وعندهم شهادة يسوع المسيح” (رؤيا 12 : 17). ML 373.4
ولكن “ كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يقلع” (متى 19: 13). فبدلاً من قبول سلطان من يقال عنهم أنهم آباء الكنيسة يجب علينا أن نقبل كلمة الآب الأبدي رب السماء والأرض . هنا فقط يوجد الحق غير مشوب بالخطايا . قال داود: “أكثر من كل معلمي تعلقت، لأن شهاداتك هي لهجي. أكثر من الشيوخ فطنت، لأني حفظت وصاياك” (مزمور 119 : 99 و 100). ليحترس كل من ينحنون أمام السلطة البشرية وعادات الكنيسة وتقاليد الآباء ولينتبهوا إلى إنذار المسيح القائل: “باطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس” (متى 15 : 19). ML 374.1