بعد الصدام مع الفريسيين ترك يسوع كفرناحوم مجتازا في الجليل إلى الإقليم الجبلي الواقع عند تخوم فينيقية. وإذ اتجه ببصره ناحية الغرب أمكنه أن يرى في السهل المنبسط أمامه مدينتي صور وصيداء العريقتين في القدم بهياكلهما الوثنية وقصورهما الفخمة وأسواق التجارة العامرة وموانئهما التي ازدحمت فيها السفن . وكان يمتد وراءهما البحر الأبيض المتوسط بمياهه الصافية الزرقاء ، الذي كان سيسافر فيه رسل الإنجيل حاملين البشائر المفرحة إلى عواصم الإمبراطورية العظيمة المترامية الأطراف . ولكن ذلك الوقت لم يكن قد جاء بعد . أما العمل الذي كان أمام السيد حينئذ فكان هو إعداد التلاميذ لحمل الرسالة . وإذ أتى إلى هذا الإقليم كان يرجو أن يجد فيه المعتكف الذي لم يجده في بيت صيدا . ولكن هذا لم يكن غرضه الوحيد من تلك الرحلة. ML 375.1
“وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني، يا سيد، يا ابن داود! ابنتي مجنونة جداً” (متى 15 : 22). كان شعب هذا الإقليم من سلالة الشعب الكنعاني القديم . كانوا يعبدون الأوثان وكان اليهود يبغضونهم ويحتقرونهم . وكانت المرأة التي أتت إلى يسوع من ذلك الشعب . كانت وثنية ، ولذلك حرمت من الامتيازات التي كان ينعم بها اليهود كل يوم . كان يوجد كثيرون من اليهود ساكنين بين الفينيقيين ، وقد وصلت أنباء عمل المسيح إلى هذا الإقليم ، فسمع بعض الناس أقواله وشهدوا آياته ومعجزاته . وقد سمعت هذه المرأة عن هذا النبي الذي قيل لها أنه يشفي من كل الأمراض . فلما سمعت عن قدرته امتلأ قلبها رجاء . وإذ ألهمتها محبة الأم عولت على أن تعرض عليه حالة ابنتها ، فعقدت العزم على أن تتقدم بمحنتها إلى يسوع ولا بد له من أن يشفي ابنتها . كانت قد لجأت إلى الآلهة الوثنية ولكنها لم تجد عندها عونا . وفي بعض الأحيان جربت أن تفكر قائلة: ما الذي يستطيع هذا المعلم اليهودي أن يصنع لي؟ فجاءها الجواب: إنه يشفي كل مرض ، سواء أكان من يأتون إليه أغنياء أو فقراء. لقد عزمت على ألا تضيع رجاءها الوحيد. ML 375.2