ظلت تلك المرأة تطلب إلى السيد بإلحاح متزايد جاثية عند قدميه وصارخة تقول: “يا سيد، أعنّي!” (متى 15 : 25). لكن يسوع ظل وكأنه يتغاضى عنها كمن يرفض توسلاتها. وطبقا لتعصب اليهود وجحود شعورهم أجابها قائلا: “ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب” (متى 15 : 26). فكان هذا الجواب في الواقع تأكيدا أنه ليس من العدل أن يغدق البركات المرسلة لشعب الله المفضل على الأجانب ، والغرباء عن إسرائيل . هذا الجواب كان يمكن أن يكون كافيا لتثبيط من لم يكن في مثل غيرة وإلحاح المرأة . ولكن هذه المرأة رأت أن فرصتها قد حانت ، إذ رأت خلف رفض يسوع الظاهر رأفة لم يستطع إخفاءها ، فأجابته بقولها: “نعم، يا سيّد، والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها!” (متى 15 : 27). ففي حين أن أبناء البيت يأكلون على مائدة أبيهم ، فالكلاب لا تترك بدون طعام ، فإن لها الحق في الفتات الساقط من تلك المائدة الحافلة بالطعام . وكذلك في حين توجد بركات وفيرة تعطى لإسرائيل أفلا توجد بركة لأجلها هي أيضا ؟ لقد كان ينظر إليها على أنها كلبة ، أفلا حق لها في الفتات الساقط من المائدة الذي هو من نصيب الكلاب والذي يفيض من فيض سخائه ؟ ML 377.1
إن يسوع كان قد ترك حقل خدمته لأن الكتبة والفريسيين كانوا يتعقبونه ليقتلوه. كانوا يتذمرون ويشتكون . لقد أظهروا عدم الإيمان والمرارة ورفضوا الخلاص المقدم لهم مجانا . وهنا يلتقي المسيح بواحدة من ذلك الجنس المحتقر المنكود الحظ ، لم يكن لها حق التمتع بنور كلمة الله ومع ذلك فهي في الحال تخضع لتأثير المسيح الإلهي ، وغدا إيمانها ثابتا لا يتزعزع بقدرته على أن يمنحها الإحسان الذي تطلبه . وهي تطلب أن يسمح لها بالتقاط الفتات الساقط من مائدته . فلو سمح لها بأن تنال حظوة الكلاب فهي تقبل أن يحسبها كالكلاب . ليس في قلبها أي تعصب قومي أو ديني ولا أي كبرياء لتؤثر في تصرفاتها ، وفي الحال اعترفت بيسوع كالفادي وكمن هو قادر على أن يجيبها إلى كل م ا تطلبه منه. ML 377.2
اكتفى المخلص وشبعت نفسه. لقد امتحن إيمانها به . وبتصرفه معها برهن على أنها هي التي كانت معتبرة منبوذة من إسرائيل ما عادت غريبة بل صارت ابنة في بيت الله . وكابنة كان لها الامتياز أن تشترك في هبات الله. وها المسيح يمنحها الآن طلبها ويختتم الدرس المقدم لتلاميذه . وإذ يلتفت إليها بنظرة العطف والمحبة يقول: “يا امرأة، عظيم إيمانك! ليكن لك كما تريدين” (متى 15 : 28). وقد شفيت ابنتها من تلك الساعة وما عاد الشيطان يزعجها بعد ذلك . فعادت المرأة إلى بلدها معترفة بمخلصها وسعيدة لأن صلاتها قد استجيبت. ML 377.3