أتى يسوع وتلاميذه الآن إلى إحدى قرى قيصرية فيلبس ، وكانوا قد تجاوزوا تخوم الجليل وأتوا إلى إقليم تفشت فيه عبادة الأوثان. وهنا كان التلاميذ بعيدين عن تأثير الديانة اليهودية ، وهاهم قريبون جدا من العبادة الوثنية ، فتمثلت حولهم أشكال الخرافات التي كانت منتشرة في كل أنحاء العالم . أراد المسيح أن تشعرهم رؤيتهم لتلك الأباطيل بمسئوليتهم نحو الوثنيين . وفي أثناء وجوده في ذلك الإقليم أراد أن يكف بعض الوقت عن تبشير الشعب ليتفرغ لتلاميذه أكثر من ذي قبل. ML 389.1
كان على وشك إبلاغهم خبر الآلام التي تنتظره. ولكنه قبل ذلك ابتعد عنهم قليلا وانفرد بنفسه وصلى لكي تكون قلوبهم مهيأة لقبول كلامه . وعندما عاد إليهم لم يصارحهم في الحال بما كان ينوي أن يقوله لهم . بل قبل ذلك أعطاهم فرصة للاعتراف بإيمانهم به ليتشددوا لاحتمال التجربة القادمة عليهم . فسألهم قائلا: “من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟” (متى 16 : 13). ML 389.2
وبكل حزن اضطر التلاميذ للاعتراف بأن بني إسرائيل قد قصرت أفهامهم عن معرفة مسيحهم . صحيح أن بعض الناس عندما أبصروا معجزاته أعلنوا أنه ابن داود . والجموع الذين كانوا قد أكلوا وشبعوا من الخبز الذي باركه في مدينة بيت صيدا أرادوا أن ينادوا به ملكا على إسرائيل . وكثيرون كانوا على استعداد لأن يقبلوه كنبي ولكنهم لم يؤمنوا به على أنه مسيا. ML 389.3
أما الآن فقد وجه يسوع إليهم سؤالا خاصا بالتلاميذ أنفسهم فقال لهم: “وأنتم، من تقولون إني أنا؟” فأجابه بطرس قائلاً: “أنت هو المسيح ابن الله الحي!” (متى 16 : 15، 16). ML 389.4
لقد آمن بطرس من البداءة أن يسوع هو مسيا. إن كثيرين آخرين ممن كانوا قد تأثروا بكرازة يوحنا المعمدان وقبلوا المسيح بدأوا يشكون في صدق رسالة يوحنا عندما زج به السجن ومات ، وهاهم الآن يشكون في أن يسوع هو مسيا الذي ظلوا ينتظرونه طويلا . وكثيرون من التلميذ الذين كانوا بكل حرارة وحماسة ينتظرون من يسوع أن يعتلي عرش داود تركوه وما عادوا يمشون معه عندما رأوه زاهدا في الملك. أما بطرس ورفاقه فقد ظلوا على ولائهم له . إن الموقف المزعزع الذي وقفه أولئك الذين كانوا يمجدونه بالأمس وهاهم يدينونه اليوم ، لم يلاش إيمان تابع المخلص الأمين . فلقد أعلن بطرس قائلا: “أنت هو المسيح ابن الله الحيّ!” إنه لم ينتظر أمجاد الملك لكي يتوج بها سيده بل قبله كما هو في حالة اتضاعه. ML 389.5