قدم المسيح لهذا الرجل امتحانا فدعاه ليختار بين كنز السماء أو العظمة العالمية . وكان كنز السماء مضمونا له لو اتبع المسيح . ولكن ينبغي أن تخضع الذات وأن تكون إرادته تحت سيطرة المسيح . إن نفس قداسة الله قدمت لذلك الرئيس الشاب وقدم له امتياز أن يكون ابنا لله ووارثا مع المسيح الكنز السماوي . ولكن ينبغي له أن يأخذ الصليب ويتبع المخلص في طريق إنكار الذات. ML 490.1
وفي الواقع كان كلام المسيح لذلك الرئيس هو هذه الدعوة: “اختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون” (يشوع 24 : 15). وقد ترك له حق في الاختيار . كان يسوع مشتاقا إلى هدايته وخلاصه . وقد أبان له نقطة الضعف في أخلاقه . وبأي اهتمام عميق كان يترقب النتيجة عندما وزن الشاب ذلك السؤال ! فلو قرر اتباع المسيح لوجب عليه أن يطيع كلامه في كل شيء . عليه أن يتخلى عن مشاريعه وطموحه . فبأي شوق جزع غيور وبأي جوع قلبي نظر المخلص إلى ذلك الشاب مؤملا أنه سيستجيب لدعوة روح الله ! ML 490.2
لقد قدم المسيح الشروط الوحيدة التي تمكّن ذلك الرئيس من أن يصبح ذا خلق مسيحي كامل . كان كلامه كلام الحكمة وإن كان يبدو قاسيا وملزما . فلو قبل الرئيس ذلك الكلام وأطاعه لكان ذلك رجاؤه الوحيد في الخلاص . كان مركزه الرفيع وأمواله الكثيرة تبذل جهدا ماكرا لتؤثر تأثيرا شريرا على أخلاقه . فلو أطاعها فستحتل مكان الله في عواطفه بطريقة خادعة . ولو استبقى لنفسه قليلا أو كثيرا ولم يعطه لله فمعنى ذلك الإبقاء على ما من شأنه أن يضعف قوته الأدبية وكفاءته ، لأننا إذا أحببنا الأشياء الدنيوية مهما تكن زائلة تافهة فلابد من أن تسيطر علينا كل السيطرة. ML 490.3
كان ذلك الرئيس حاضر البديهة ففهم فحوى كلام المسيح كله ، فحزن . لو أنه عرف قيمة الهبة المقدمة له فسرعان ما كان ينضوي تحت لواء المسيح ويصير تابعا له . لقد كان أحد اعضاء مجمع اليهود الموقر وكان الشيطان يغويه بآمال وانتظارات المستقبل الخادعة . كان يرغب في امتلاك الكنز السماوي ولكنه في نفس الوقت كان يطمع في المزايا الزمنية التي تحققها له أمواله ، فأسف لوجود تلك الشروط . كان راغبا في الحياة الأبدية ولكنه لم يكن مستعدا للإقدام على تلك التضحية . لقد بدا له أن كلفة الحياة الأبدية عظيمة جدا ، فمضى حزينا “لأنه كان ذا أموال كثيرة” (متى 19 : 22). ML 490.4