إن ادعاء ذلك الشاب أنه قد حفظ كل الوصايا كان خداعا خطرا ، إذ برهن على أن المال هو صنمه الذي كان يتعبد له. لم يستطع أن يحفظ وصايا الله ما دام العالم كان هو الأول في عواطفه ، فأحب عطايا الله أكثر مما أحب معطيها . لقد قدم المسيح لذلك الشاب هبة مصاحبته . قال له: “اتبعني” ولكن المخلص لم يكن في اعتباره يساوي شهرته وأمواله . فكونه يتخلى عن كنزه الأرضي المنظور في مقابل كنز السماء غير المنظور ، كان ذلك في نظره مخاطرة عظيمة غير مأمونة العواقب ، فرفض هبة الحياة الأبدية ومضى . ومنذ ذلك الحين صار العالم إلهه الذي يتعبد له . إن آلافا من الناس يجوزون في نفس هذه التجربة وهم يوازنون بين المسيح والعالم ، وكثيرون منهم يختارون العالم . إنهم ، كذلك الرئيس الشاب ، يديرون للمخلص القفا قائلين في قلوبهم لا نريد أن يكون هذا الإنسان رئيسا علينا. ML 491.1
إن لنا في معاملة المسيح لهذا الشاب دروسا يجب أن نتعلمها. لقد أعطانا الله قانون الخلق الذي يجب على كل خدامه أن يسيروا بموجبه ، وهو الطاعة لشريعته ، ليس مجرد الطاعة القانونية بل تلك التي تتغلغل في كل أنسجة الحياة وتتمثل في الخلق . إن الله هو بذاته الذي وضع المقاييس للخلق لكل من يريدون أن يكونوا ضمن رعايا ملكوته . فالذين يريدون أن يكونوا عاملين مع المسيح ، والذين يقولون: يا رب أنا وكل ما أملك لك ، هم وحدهم الذين سيعترف بهم على أنهم أبناء وبنات الله . على كل واحد أن يتأمل في معنى كون الإنسان يرغب في دخول السماء ثم يرتد لأنه يتصور أن الشروط المطلوبة لامتلاكها شروط صارمة فادحة . فكر في معنى قولك للمسيح: “لا”. إن ذلك الرئيس قال للمسيح لا، فأنا لا أستطيع أن أتنازل لك عن الكل . فهل هذا هو نفس ما تقوله؟ إن المخلص يقدم لنا فرصة لأن يقاسمنا في العمل الذي قد أعطانا الله إياه لنعمله ، يقدم لنا فرصة استعمال الوسائل التي قد أعطاها لنا الله لإنجاح عمله في العالم. بهذه الوسيلة وحدها يمكنه أن يخلصنا . ML 491.2
لقد أودعت أموال ذلك الرئيس بين يديه لكي يبرهن بذلك على أنه وكيل أمين ، وكان عليه أن يوزع تلك الأموال لينتفع بها المعوزون فتكون لهم . وهكذا الله في هذه الأيام يودع بين أيدي الناس الأموال والمواهب والفرص لكي تكون وسائل لإغاثة الفقراء والمتألمين . فالذي يستثمر ما قد أودعه الله بين يديه من هبات كما يريد الله يصير عاملا مع المخلص ورابحا نفوسا للمسيح لأن صفات المسيح منطبعة على قلبه. ML 492.1
قد يبدو لأولئك الذين يشغلون مراكز سامية كذلك الرئيس ، مراكز هي أمانة بين أيديهم، يبدو لهم أنها تضحية عظيمة كونهم يضحون بكل شيء لكي يتبعوا المسيح. ولكن هذا هو قانون العمل والتصرف لكل من يريدون أن يصيروا له تلاميذ . فلا يقبل شيئا أقل من الطاعة الكاملة . إن تسليم النفس لله هو خلاصة تعاليم المسيح . وفي غالب الأحيان يقدم لنا هذا الأمر ويطَلب منا في لغة تبدو ملزمة وحازمة ، لأنه لا توجد طريقة أخرى لتخليص الإنسان غير التخلص من الأشياء التي لو أبقي عليها لأضعفت الإنسان كله. ML 492.2
إن أتباع المسيح عندما يعيدون إلى الرب حقوقه فهم يكومون ويجمعون كنزا سيعطى لهم عندما يسمعون القول “نعما أيها العبد الصالح الأمين! كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيّدك”، “الذي من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهيناً بالخزي، فجلس في يمين عرش الله” (متى 25 : 23 ؛ عبرانيين 12 : 2). إن الفرح برؤية النفوس تفتدى وتخلص خلاصا أبديا هو الجزاء الصالح لكل من يسيرون في أثر خطوات ذاك الذي قال: “اتبعني”. ML 492.3