“فقال يسوع حينئذ علانية: “لعازر مات. وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك، لتؤمنوا، ولكن لنذهب إليه!” (يوحنا 11 : 14، 15) أما توما فلم يكن يتوقع لسيده إلاّ الموت المحقق لو ذهب إلى اليهودية فمنطق روحه وقال للتلاميذ رفقائه: “لنذهب نحن أيضاً لكي نموت معه!” (يوحنا 11 : 16). لقد عرف مقدار العداوة التي كان اليهود يضمرونها للسيد ، حيث كان غرضهم القضاء عليه بالموت . ولكن هذا الغرض لم يتم لأن ساعته لم تكن قد جاءت . وفي خلال المدة الباقية له على الأرض كان ملائكة السماء يحرسونه . وحتى في إقليم اليهودية حيث كان المعلمون يتآمرون في كيف يقضون عليه بالموت لم يمكن أن يمسه أحد بأذى. ML 497.2
اندهش التلاميذ من كلام المسيح عندما قال: “لعازر مات .. افرح .. إني لم أكن هناك” فهل تحاشى المخلص الذهاب إلى بيت أصدقائه المتألمين بمحض اختياره؟ لقد بدا كأن مريم ومرثا ولعازر المحتضر قد تركوا وحدهم بلا معين . ولكنهم لم يكونوا وحدهم فلقد رأى المسيح ذلك المشهد من أوله إلى آخره . وبعد موت لعازر أسند بنعمته تينك الأختين المنكوبتين . لقد رأى يسوع حزن قلبيهما عندما كان أخوهما يصارع الموت ، عدوه القوي، وكان يحس بكل وخزة من وخزات الحزن عندما قال للتلاميذ “لعازر مات”. ولكن المسيح لم يكن مشغولا في التفكير في أحبائه الذين في بيت عنيا وحدهم بل كان عليه أيضا أن يهتم بتدريب تلاميذه . كان عليهم أن يكونوا نوابا عنه أمام العالم حتى تحتضن الجميع محبة الآب . فلأجلهم سمح بموت لعازر . فلو أنه كان قد شفاه من مرضه لما أجرى المعجزة العظيمة التي هي البرهان الإيجابي القاطع على صفته الإلهية. ML 497.3
لو كان المسيح في غرفة المرض لما مات لعازر لأن الشيطان ما كان يمكن أن يكون له عليه سلطان . وما كان للموت أن يصوب سهامه إلى قلب لعازر في حضرة معطي الحياة . لذلك بقي المسيح بعيدا وسمح للعدو باستخدام قوته حتى في النهاية يصده مقهورا .لقد سمح للعازر أن يجوز تحت سلطان الموت فرأت الأختان النائحتان أخاهما الحبيب مسجى في قبره . عرف المسيح أن تينك الأختين إذ تشخصان في وجه أخيهما الميت فإن إيمانهما بفاديهما سيجوز في محنة قاسية . ومنه عرف أيضا أنه بسبب ذلك الصراع الذي كانتا تجوزان فيه حينئذ سيتقوى إيمانهما ويتألق بلمعان أعظم . تألم وشعر بكل وخزة من وخزات الألم التي حلت بهما . وإذ تأخر عن المجيء إليهما لم يكن ذلك دليلا على فتور محبته لهما لكنه علم أنه ستكون هناك نصرة لهما وللعازر ولنفسه ولتلاميذه. ML 498.1
“لأجلكم”، “لتؤمنوا” أن كل من يمدون أيديهم يتلمسون طريقهم ليلمسوا يد الله الهادية ستكون أعظم خيبة تحل بهم هي الوقت الذي تكون فيه معونة الله أقرب ما تكون منهم .وسينظرون إلى الوراء شاكرين الله على الظلمة التي اكتنفت طريقهم: “يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء” (2 بطرس 2 : 9). فمن كل تجربة وكل بلية سيخرجهم الرب بإيمان أقوى واختبار أغنى . ML 498.2
إن المسيح إذ تأخر عن المجيء إلى لعازر كان له قصد رحيم نحو أولئك الذين لم يقبلوه بعد . لقد تأخر حتى بعدما يقيم لعازر من الأموات يقدم لشعبه العنيد العديم الإيمان برهانا آخر على أنه هو حقا “القيامة والحياة”. لم يكن قط يرغب في أن يقطع كل أمل من ذلك الشعب ومن تلك الخراف المسكينة ، خراف بيت إسرائيل الضالة . لقد انسحق قلبه بسبب قساوة قلوبهم ففي رحمته قصد أن يقدم لهم برهانا جديدا على أنه هو الذي يرد النفوس وهو وحده الذي يستطيع أن ينير الحياة والخلود . وسيكون هذا برهانا لن يستطيع الكهنة أن يحرفوه أو يسيئوا تأويله . كان هذا هو السبب في تأخره عن الذهاب إلى بيت عنيا . فتلك المعجزة الختامية ، أي إقامة لعازر قصد بها أن تختم بختم الله على خدمة المسبح ودعواه بالألوهية. ML 498.3