في الطريق إلى بيت عنيا كان يسوع يخدم المساكين ويشفي المرضى كما كانت عادته دائما . وعند وصوله إلى بيت عنيا أرسل إلى الأختين رسولا ينبئهما بقدومه ، إذ لم يرد المسيح أن يدخل البيت في الحال بل ظل في مكان هادئ بجانب الطريق . إن مظاهر الحزن التي كان اليهود يحرصون عليها عند موت حبيب أو قريب كانت مخالفة لروح المسيح . لقد سمع أصوات الصراخ والعويل من أفواه أناس مأجورين للندب ولذلك لم يرد أن يقابل الأختين في وسط مشهد تلك الضجة العظيمة . وكان بين الأصدقاء النائحين بعض أقارب العائلة ، وبعض منهم يشغلون مراكز سامية ويضطلعون بمسؤوليات جسام في أورشليم . وكان بين هؤلاء جماعة من ألد أعداء المسيح . وقد عرف المسيح نواياهم ولهذا لم يظهر نفسه في الحال. ML 499.1
قدمت الرسالة إلى مرثا بكل هدوء بحيث لم يستطع أحد غيرها أن يسمعها . وإذ كانت مريم في غمرة حزنها لم تسمع تلك الرسالة . فقامت مرثا في الحال وذهبت لمقابلة سيدها . أما مريم فإذ كانت تظن أن أختها ذهبت إلى قبر أخيها استمرت جالسة في البيت في حزن صامت وكآبة خرساء. ML 499.2
سرعت مرثا لملاقاة يسوع وقد اهتاجت في نفسها انفعالات متضاربة . قرأت في وجه السيد المعبر نفس ملامح الرقة والمحبة التي كانت ترى على محياه دائما . ولم تتزعزع ثقتها به ، إلاّ أنها فكرت في أخيها الحبيب الذي كان يسوع أيضا يحبه . وكان الحزن يغلي في قلبها لأن يسوع تأخر في المجيء ، ومع ذلك فإنها حتى الآن كانت ترجو أنه قد يعمل شيئا لتعزيتهما، فقالت: “يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي!” (يوحنا 11 : 21). لقد ظلّت تانك الأختان الحزينتان ترددان هذا القول مرارا عديدة في وسط ضجة النائحين والنائحات. ML 499.3
وبشفقة بشرية وحنان إلهي نظر يسوع إلى وجهها الحزين الذي أضنته الهموم . ولم تكن مرثا ترغب في سرد تفاصيل تلك الفجيعة التي ألمت بها وبأختها ، بل عبرت عن ذلك كله بكلماتها المفعمة حزنا وشجنا حين قالت: “يا سيّد، لو كنت ههنا لم يمت أخي!” ولكنها إذ تطلعت في وجهه المحب أضافت قائلة: “لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه” (يوحنا 11 : 22). ML 499.4