إن زكا “رئيس العشارين” كان يهوديا ، وكان ممقوتا ومكروها من مواطنيه . وكان مركزه وثروته هما الأجر الذي كان يتقاضاه عن تلك الحرفة التي كان الناس يبغضونها ML 517.4
ويترفعون عنها والتي كانت من مرادفات الظلم والاغتصاب . ومع ذلك فإن جامع الضرائب الثري هذا لم يكن ذلك الرجل الجافي كما كان يبدو عليه . فتحت مظهر المادية والعالمية والكبرياء كان قلب سريع التأثر بالعوامل الإلهية . وكان زكا قد سمع عن يسوع . إن ما أشيع عن ذاك الذي أبدى عطفا ومجاملة نحو تلك الطبقات المحرومة انتشر خبره في كل مكان ، فنشأ في قلب رئيس العشارين هذا جوع وشوق إلى أن يحيا حياة أفضل . وعلى مسافة أميال قليلة من أريحا كان يوحنا المعدان يكرز عند الأردن . وكان زكا قد سمع عن دعوته الناس إلى التوبة . وكان قد أخبر عن وصيته للعشارين القائلة: “لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم” (لوقا 3 : 13). ولكن مع أن زكا كان قد أغفل هذه الوصية ظاهرا فإن عقله تأثر بها . لقد عرف الكتب واقتنع بخطإه في طريقة مزاولته لعمله . والآن بعدما سمع الأقوال التي قيل له أن المعلم العظيم قد نطق بها أحس بأنه خاطئ في نظر الله . ومع ذلك فإن ما كان قد سمعه عن يسوع أضرم في قلبه نار الرجاء ، إذ بدا أنه من الممكن حتى له هو نفسه أن يتوب ويصلح حياته . أفلم يكن أحد تلاميذ هذا المعلم الجديد الموثوق بهم عشارا ؟ ففي الحال بدأ زكا يعمل بموجب الاقتناع الذي سيطر عليه ، وعزم على أن يقدم تعويضا لكل من ظلمهم ML 518.1
وقد بدأ بالفعل في انتهاج ذلك الطريق بالتراجع عن مسلكه ، وإذا به يسمع خبرا انتشر في كل أريحا مؤداه أن يسوع داخل إلى المدينة . فعقد زكا العزم على أن يراه . كان قد بدأ يتحقق من شدة قسوة مرارة ثمار الخطية ، وعرف وعورة الطريق على من يحاول التنكب عن طريق الشر والخطإ . فكونه يساء فهم بواعثه ويقابل بالشك وعدم الثقة وهو يحاول إصلاح أخطائه- كان هذا أمرا شق عليه احتماله . لقد تاق رئيس العشارين إلى التطلع في وجه ذاك الذي جلب كلامه إلى قلبه العزاء. ML 518.2
ازدحمت الشوارع بجماهير الناس ولذلك لم يستطع زكا الذي كان قصير القامة التطلع إلى ما فوق رؤوس الشعب ولم يرد أحد أن يفسح له الطريق ، ولذلك ركض متقدما تلك الجماهير إلى حيث كانت توجد شجرة تين امتدت اغصانها إلى هنا وهناك وكانت أغصانها ممتدة فوق الطريق فتسلق ذلك العشار الغني تلك الشجرة حيث وجد لنفسه مكانا بين أغصانها . ومن هناك كان يمكنه أن يرى الموكب وهو يمر تحته . وها هو الموكب يقترب منه . وكان هو يتصفح الوجود بعينيه المشتاقتين لعله يرى السيد الذي كان يتوق لرؤيته. ML 518.3