ظل الفريسيون مهتاجين بسبب الجزية التي فرضها عليهم الرومان . وكانوا يعتقدون أن دفع الجزية أمر مخالف لشريعة الله . وها هم الآن يرون الفرصة مواتية لهم لينصبوا شركا لاصطياد يسوع . فجاء إليه جواسيسهم ، وبإخلاص ريائي ، كأنما يرغبون في معرفة واجبهم قالوا له: “يا معلّم، نعلم أنك بالاستقامة تتكلّم وتعلّم، ولا تقبل الوجوه، بل بالحق تعلم طريق الله. أيجوز لنا أن نعطي جزية لقيصر أم لا؟” (لوقا 20 : 21 و 22). ML 566.2
فلو كانوا مخلصين لكان قولهم “أنك بالاستقامة تتكلّم وتعلّم” اعترافا مدهشا . ولكنهم نطقوا بهذا الكلام للتمويه والخداع . ومع ذلك فقد كانت شهادتهم صادقة ، فلقد عرف الفريسيون ، عن يقين ، أن المسيح كان بالاستقامة يتكلم ويعلم وسيدانون بموجب شهادتهم ML 566.3
لقد ظن أولئك الذين قدموا ذلك السؤال إلى يسوع بأنهم قد أحكموا إخفاء قصدهم وأحسنوا التنكر ، ولكن يسوع علم ما في قلوبهم كمن يقرأ في كتاب مفتوح ، وكشف القناع عن ريائهم إذ قال لهم: “لماذا تجربونني؟” (لوقا 20 : 23). وبذلك قدم لهم آية لم يطلبوها إذ أراهم أنه قد كشف نواياهم الخفية . ولقد زاد ارتباكهم عندما أضاف قائلاً: “أروني ديناراً. لمن الصورة والكتابة؟ فأجابوا وقالوا: لقيصر. فقال لهم: أعطوا إذاً ما للقيصر للقيصر وما لله لله” (لوقا 20 : 24 و 25). ML 566.4
كان الجواسيس ينتظرون أن يقدم يسوع جوابا مباشرا بطريقة أو بأخرى . فلو ق ا ل: لا يجوز لكم أن تعطوا جزية لقيصر لكانوا يقدمون شكوى ضده للسلطات الرومانية ، وكان يقبض عليه كمحرض على الثورة والعصيان . ولو قال: يجوز لكم أن تعطوا الجزية ، لكانوا يشكونه للشعب كمن يقاوم شريعة الله . ولكنهم أمام جوابه أحسوا بالارتباكوالهزيمة . لقد تشوشت خططهم ، فالجواب المختصر الذي أجاب به السيد على سؤالهم لم يترك لهم بابا للكلام. ML 567.1
لم يكن جواب المسيح تملصا أو مراوغة بل كان جوابا صريحا على سؤالهم . فإذ أمسك في يده تلك العملة الرومانية التي كان مطبوعا عليها اسم القيصر وصورته أعلن لهم أنهم طالما هم عائشون تحت حماية القوة الرومانية فهم ملتزمون بأن يقدموا لتلك القوات المعونة الواجبة طالما أن ذلك لا يتعارض مع واجبهم الرسمي . ولكن بينما هم يخضعون مسالمين لقوانين البلاد عليهم دائما أن يقدموا ولاءهم لله أولا. ML 567.2
إن قول المخلص: “أعطوا .. ما لله لله” كان توبيخا جارحا لأولئك اليهود المتآمرين . فلو كانوا بكل أمانة قد قاموا بكل التزاماتهم لله لما صاروا أمة منهزمة خاضعة للحكم الأجنبي ، وما كانت أية راية أجنبية تخفق فوق روابي أورشليم ، وما كان يقف على أبوابها حراس من الرومان ، وما كان يحكم داخل أسوارها والٍ روماني . لقد كانت الأمة اليهودية حينئذ تتحمل قصاص ارتدادها عن الله. ML 567.3
فلما سمع الفريسيون جواب المسيح “تعجّبوا من جوابه وسكتوا” (متى 22 : 22). لقد وبخ رياءهم وغطرستهم وبعمله هذا قرر مبدأ عظيما ، مبدأ يبين حدود واجب الإنسان بوضوح تلقاء الحكومة المدنية وواجبه نحو الله . فلقد وجدت عقول مرتبكة كثيرة جوابا ثابتا ، وبعد ذلك التزمت تلك العقول جانب المبدأ الصائب . ومع أن كثيرين مضوا ساخطين فقد رأوا أن المبدأ الذي ينطوي عليه السؤال قد أوضح تماما . وقد تعجبوا من فطنة المسيح البعيدة النظر. ML 567.4